البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله فإن أبت حبست حتى تلاعن أو تصدقه ) لما قدمناه ولم يقل أو تصدقه فتحد للزنا كما وقع في بعض نسخ القدوري لكونه غلطا ; لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة فكيف يجب بالتصديق مرة وهو لا يجب بالتصديق أربع مرات ; لأن التصديق ليس بإقرار قصدا فلا يعتبر في حق وجوب الحد ويعتبر في درئه ليندفع به اللعان ولا يجب به الحد ، ولو صدقته في نفي الولد فلا حد ولا لعان وهو ولدهما ; لأنهما لا يملكان إبطال حقه قصدا والنسب إنما ينتفي باللعان ولم يوجد وبهذا ظهر أن ما قاله في شرح الوقاية وتبعه شارح النقاية من أنها إذا صدقته ينتفي نسب ولدها منه غير صحيح كما نبه عليه في شرح الدرر والغرر ولم يذكر المؤلف حكم ما إذا امتنعا من اللعان بعد ما ترافعا .

وصرح الإسبيجابي في شرح الطحاوي أنهما يحبسان إذا امتنعا من اللعان بعد الثبوت وينبغي حمله على ما إذا لم تعف المرأة أما إذا عفت فإنه لا يحبسهما كما لو عفا المقذوف فإنا ، وإن قلنا : لا يصح العفو في حد القذف واللعان إلا أنهما لا يقامان إلا بطلب كما سنوضحه في باب حد القذف فإن قلت ظاهر الآية يشهد للشافعي القائل بأنها إذا امتنعت من اللعان تحد حد الزنا وهي قوله تعالى { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد } أي : الحد ; لأن اللام للعهد الذكري أي : العذاب المذكور السابق وهو الحد قلنا : المراد منه الحبس كقوله تعالى في آية الهدهد { لأعذبنه } ورد في التفسير لأحبسنه والاختلاف مبني على أن الأصل في قذف الزوجات عند الشافعي الحد عملا بالآية الأولى وهي قوله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } الآية وبين بآية اللعان أن القاذف إذا كان زوجا له أن يدفع الحد عنه باللعان وإذا كان المقذوف زوجة القاذف لها أن تدفع حد الزنا عنها بلعانها فأيهما امتنع عن اللعان وجب الأصل وهو الحد .

وعندنا آية اللعان ناسخة للأولى في حق الزوجات ; لأن الخاص المتأخر عن العام ينسخ العام بقدره فلم تبق الآية الأولى متناولة للزوجات فصار الواجب بقذف الزوجة اللعان فأيهما امتنع عنه حبس حتى يأتي به كالمديون إذا امتنع عن إيفاء حق عليه ولذا { لما قذف هلال زوجته قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم البينة وإلا حد في ظهرك } فدل على أنه كان في الابتداء يوجب الحد كقذف الأجنبيات ثم لما نزلت آية اللعان انتسخ في حق الزوجات كما في البدائع والعناية

. ( قوله فإن لم يصلح شاهدا حد ) ; لأنه لما تعذر اللعان لمعنى من جهته لا من جهتها صير إلى الموجب الأصلي وهو حد القذف وعدم صلاحيته للشهادة بكونه عبدا أو محدودا في قذف أو كافرا بأن أسلمت ثم قذفها قبل عرض الإسلام عليه قيدنا به ; لأن الزوج لو كان صبيا أو مجنونا فلا حد ولا لعان والأصل أن اللعان إذا سقط لمعنى من جهته فإن كان القذف صحيحا وجب الحد عليه وإن لم يكن القذف صحيحا فلا حد ولا لعان كذا في البدائع فلو قال فإن لم يصلح شاهدا وكان أهلا للقذف حد لكان أولى وفي الينابيع زوجان كافران أسلمت المرأة ولم يسلم الزوج ولم يعرض القاضي الإسلام عليه حتى قذفها بالزنا وجب عليه الحد فإن أقيم بعض الحد ثم أسلم فقذفها ثانيا .

قال أبو يوسف : أقيم عليه بقية الحد ثم يلاعنا وقال زفر : لا لعان بينهما ، وفي النافع وإن كانا ذميين فأسلمت المرأة وقذفها قبل أن يعرض الإسلام عليه فلا لعان ويحد الزوج كذا في التتارخانية .


[ ص: 125 ] ( قوله إنهما يحبسان إذا امتنعا إلخ ) قال في النهر وعندي في حبسها بعد امتناعه نوع إشكال ، وهذا ; لأنه لا يجب عليها إلا بعده فقبله ليس امتناعا لحق وجب وكأن هذا هو السر في إغفال المصنف وغيره لهذا فتدبره ا هـ .

قال بعض الفضلاء ويمكن أن يقال في دفع الإشكال إنه بعد الترافع منهما صار إمضاء اللعان من حق الشارع وهي لم تعف فالقاضي يطالب كلا فبإظهارها الامتناع صارت غير ممتثلة للحكم الشرعي فتحبس لامتثاله بخلاف ما إذا أبى هو فقط فلا تحبس ; لأن عدم الامتثال لم يتحقق إلا منه

التالي السابق


الخدمات العلمية