البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : ولو علق أحدهما عتقه بفعل فلان غدا وعكس الآخر ومضى ولم يدر عتق نصفه وسعى في نصف لهما ) أي لو علق أحد الشريكين عتق العبد المشترك بفعل زيد غدا كأن قال إن دخل زيد الدار غدا فأنت حر وعكس الشريك الآخر بأن قال مثلا إن لم يدخل زيد الدار غدا فأنت حر ومضى الغد ولم يعلم دخوله أو عدمه فإنه يعتق نصف العبد بغير سعاية ويسعى العبد في نصف قيمته للشريكين ، وهذا عند أبي حنيفة و أبي يوسف ، وقال محمد يسعى في جميع قيمته ; لأن المقضي عليه بسقوط السعاية مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم فإنه لا يقضى بشيء للجهالة كذا هذا ولهما أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية ; لأن أحدهما حانث بيقين ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضى بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه أو بعينه ونسيه ومات قبل البيان أو الذكر ويتأتى التفريع فيه على أن اليسار يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق ، ولو قال المصنف بفعل فلان في وقت وعكس الآخر في ذلك الوقت لكان أولى إذ لا فرق بين الغد واليوم والأمس صرح باليوم في المحيط وبالأمس في البدائع وأطلق المصنف في سعاية النصف فشمل ما إذا كانا موسرين أو معسرين وفي فتح القدير ولا يخفى أن من صورة المسألة أن يتفقا على ثبوت الملك لكل إلى آخر النهار .

( قوله : ولو حلف كل واحد بعتق عبده لم يعتق واحد ) ; لأن المقضي عليه بالعتق مجهول ، وكذا المقضي له فتفاحشت الجهالة فامتنع القضاء وفي العبد الواحد المقضي له والمقضي به معلوم فغلب المعلوم المجهول ، قيد بكون كل واحد منهما له عبد تام ; لأنه لو كان بين رجلين عبدان قال أحدهما لأحد العبدين أنت حر إن لم يدخل فلان هذه الدار اليوم ، وقال الآخر للعبد الآخر إن دخل فلان هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وتصادقا على أنهما لا يعلمان دخل أو لم يدخل قال أبو يوسف يعتق من كل واحد منهما ربعه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته بين الموليين نصفين ، وقال محمد قياس قول أبي حنيفة أن يسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بينهما نصفين وبيان كل من القولين في البدائع قال : ومن هذا النوع ما ذكره محمد بن سماعة عن أبي يوسف في عبد بين رجلين زعم أحدهما أن صاحبه أعتقه منذ سنة وأنه هو أعتقه اليوم ، وقال شريكه لم أعتقه ، وقد أعتقته أنت اليوم فاضمن لي نصف القيمة لعتقك فلا ضمان على الذي زعم أن صاحبه أعتقه منذ سنة ; لأن قوله أنا أعتقته اليوم ليس بإعتاق ، بل هو إقرار بالعتق وأنه حصل بعد إقراره على شريكه بالعتق فلم يصح ، وكذا لو قال أعتقه صاحبي منذ سنة وأعتقته أنا أمس وإن لم يقر بإعتاق نفسه لكن قامت عليه بينة أنه أعتقه أمس فهو ضامن لشريكه لظهور الإعتاق منه بالبينة فدعواه على شريكه العتق المتقدم لا يمنع ظهور الإعتاق منه بالبينة ويمنع ظهوره بإقراره ا هـ .

وقيد بكون المعلق متعددا ; لأنه لو قال عبده حر إن لم يكن فلان دخل هذه الدار اليوم ، ثم قال امرأته طالق إن كان دخل اليوم عتق [ ص: 259 ] وطلقت ; لأن باليمين الأولى صار مقرا بوجود شرط الطلاق وباليمين الثانية صار مقرا بوجود شرط العتق ، وقيل لم يعتق ولم تطلق ; لأن أحدهما معلق بعدم الدخول والآخر بوجوده وكل واحد من الشرطين دائر بين الوجود والعدم فلا ينزل الجزاء بالشك كذا في النهاية وينبغي أن يفرق بين التعليق بالشرط الكائن وبغير الكائن فيقع في المعلق بالكائن لا بغير الكائن ; لأن الإقرار يتصور في الكائن دون غيره ، كذا في التبيين وهو وما قبله مردودان والحق الأول ; لأن صيغة إن لم يكن دخل تستعمل لتحقيق الدخول في الماضي ردا على المماري في الدخول وعدمه فكان معترفا بالدخول وهو شرط الطلاق فوقع بخلاف إن لم يدخل ليس فيها تحقيق ، وصيغة إن كان دخل ظاهرة لتحقيق عدم الدخول ردا على من تردد فيه فكان معترفا بعدم الدخول وهو شرط وقوع العتق فوقع بخلاف إن دخل فإنه ليس فيها تحقيق أصلا .

والحاصل أنه قد اشتبه هذا التركيب على القائل بعدم الوقوع فيهما بتركيب إن لم يدخل وإن دخل إليه أشار في فتح القدير وفي تلخيص الجامع باب اليمين التي تنقض صاحبتها ، حلف بالعتق إن لم يكن دخل أمس وبالطلاق إن كان دخل وقعا ; لأنه بكل يمين زعم الحنث في الأخرى لهذا لو أعتق أحدهما ثم قال لكل واحد لم أعنك عتقا ولا يلزم ما لو كانت الأولى والله إذ الغموس لا يدخل تحت الحكم ليكذب به في الأخرى وتمامه فيه وأشار المصنف بعدم عتقهما في مسألة الكتاب إلى أنه لو اشتراهما إنسان صح وإن كان عالما بحنث أحد المالكين ; لأن كلا منهما يزعم أنه يبيع عبده وزعم المشتري في العبد قبل ملكه له غير معتبر كما لو أقر بحرية عبد ومولاه ينكر ، ثم اشتراه صح ، وإذا صح شراؤه لهما واجتمعا في ملكه عتق عليه أحدهما ; لأن زعمه معتبر الآن ويؤمر بالبيان ; لأن المقضي عليه معلوم كذا في فتح القدير وهو يفيد أن أحد المتحالفين لو اشترى العبد من الحالف الآخر فإنه يصح ويعتق عليه أحدهما ويؤمر بالبيان لما ذكره كما لا يخفى وفي المحيط هذا إذا علم المشتري بحلفهما فإنه لم يعلم فالقاضي يحلفهما ولا يجبر على البيان ما لم تقم البينة على ذلك . ا هـ .


[ ص: 256 - 258 ] ( قوله : ومات قبل البيان أو الذكر ) الأول راجع إلى قوله لا بعينه والثاني إلى قوله أو بعينه ونسيه .

( قوله : ويتأتى التفريع فيه إلخ ) قال في الفتح بعد قول الهداية في مسألة المتن وسعى لهما في النصف ما نصه : وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف على تفصيل يقتضيه مذهب أبي يوسف فإنه إنما يسعى في النصف لهما إذا كانا معسرين فلو كان أحدهما موسرا يسعى في الربع للموسر ، ولو كانا موسرين لا يسعى لأحد وإليه أشار المصنف بعد هذا بقوله ويتأتى التفريع فيه على أن اليسار يمنع السعاية أي لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق فإنما جمع بينه وبين قول أبي حنيفة في أنه لا يجب إلا النصف .

( قوله : ومن هذا النوع إلخ ) مفرع على قول الصاحبين بعدم تجزي العتق تأمل [ ص: 259 ]

( قوله : قال لكل واحد لم أعنك عتقا ) لأن قوله للأول لم أعن هذا إقرار منه بوقوع العتق على الثاني وقوله للآخر بعد ذلك لم أعن هذا إقرار منه بوقوع العتق على الأول فعتقا جميعا وهكذا في الطلاق كذا في الخانية وسيذكر المؤلف المسألة معللة عن الاختيار عند قوله والبيع والموت والتحرير إلخ .

( قوله : ويؤمر بالبيان ; لأن المقضي عليه معلوم ) قال المقدسي في شرحه قلت : وقد أشكل علي ذلك فإن العتق نازل في المعين دون المنكر فيجب أن لا يكون البيان للمشتري إذ الإجمال ليس من جهته فينبغي أن يمنع من التصرف فيهما إلى أن يبرهن أحدهما على عتقه كما لو أعتق أحد عبديه ثم نسيه ، ثم وجدت الإشكال في التحفة وأجاب بأن العتق حال وقوعه لم يدر محله فكان كإعتاق المنكر بخلاف ما إذا أعتق عبدا ثم نسيه ; لأن العتق نزل في المعلوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية