البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وإن اشترى نصف ابنه ممن يملك ابنه لا يضمن لبائعه ) ; لأن البائع شاركه في العلة وهو البيع ; لأن علة دخول المبيع في ملك المشتري الإيجاب والقبول ، وقد شاركه فيه ، وهذا عند أبي حنيفة موسرا كان أو معسرا ، وقالا إن كان الأب موسرا يجب عليه الضمان ، قيد بكونه ممن يملك ابنه ; لأنه لو اشترى نصف ابنه من أحد الشريكين وهو موسر فإنه يلزم المشتري الضمان بالإجماع للشريك الذي لم يبع ولا يضمن للبائع شيئا ; لأن الشريك الذي لم يبع لم يشاركه في العلة فلا يبطل حقه بفعل غيره ولا يخفى أن في مسألة الكتاب إذا لم يضمن المشتري للبائع كان له الخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى وفي البدائع رجل قال إن اشتريت فلانا أو بعضه فهو حر فادعى رجل آخر أنه ابنه ، ثم اشترياه عتق عليهما ونصف ولائه للذي أعتقه وهو ابن للذي ادعاه ; لأن النسب ها هنا لم يسبق اليمين فيعتق نصيب كل واحد منهما عليه وولاؤه بينهما ; لأنه عتق عليهما والولاء للمعتق ا هـ .

مع أنهم قالوا إن المعتق آخر العصبات فينبغي أن يكون ميراثه كله لأبيه مع وجوده ولا شيء للمعتق إلا أن يفرق بين ثبوت النسب قبل العتق وبينه بعده

. ( قوله : عبد لموسرين دبره واحد وحرره آخر ضمن الساكت المدبر والمدبر المعتق ثلثه مدبرا إلا ما ضمن ) أي لو كان عبد بين ثلاثة دبره أحدهم ، ثم أعتقه آخر فللساكت وهو الذي لم يدبر ولم يحرر أن يضمن المدبر وليس له أن يضمن المعتق وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث العبد مدبرا وليس له أن يضمنه الثلث الذي ضمنه للساكت وإنما يضمن الساكت المدبر ثلث قيمته قنا ; لأن التدبير يتجزأ عند الإمام ; لأنه شعبة من شعبه فيكون معتبرا به فاقتصر على نصيبه ، وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين فكان لكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعي العبد أو يتركه على حاله ، فلما حرره الآخر تعين حقه فيه وسقط اختياره غيره فتوجه للشريك الساكت سببا ضمان تدبير المدبر وإعتاق المعتق فله تضمين المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير وليس له تضمين المعتق ; لأن العبد عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال ، ثم إن الشريك الذي أعتق نصيبه أفسد على المدبر نصيبه مدبرا والضمان يتقدر بقدر المتلف ولا يضمنه قيمة ما ملكه بالضمان من جهة الساكت ; لأن ملكه ثبت مستندا وهو ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين ، وقد استفيد من كلام المصنف أنه لو كان بين اثنين دبره أحدهما ، ثم حرره الآخر فللمدبر تضمين المعتق ثلثه مدبرا إن كان موسرا .

ولو كان حرره أحدهما ثم دبره الآخر فللمدبر أن يستسعي العبد في نصف قيمته مدبرا ; لأنه بالتدبير اختار ترك الضمان ، ولو لم يعلم أيهما أولا فإن للمدبر تضمين المعتق ربع القيمة واستسعى العبد في ربع القيمة ويرجع المعتق بما ضمن على العبد ، وكذا لو صدر الإعتاق والتدبير منهما معا ، وهذا كله عند الإمام ، وعندهما المعتق أولى في الكل فإن كان المعتق موسرا ضمن للمدبر وإلا سعى العبد له في نصيبه كذا في المحيط وذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير أن قولنا للشريك هذه الخيارات أنه يصح منه هذه [ ص: 261 ] التصرفات أما لا يؤذن بالإعتاق والاستسعاء ; لأن فيه إفساد نصيب المدبر ; لأن المدبر كان متمكنا من استسعاء نصيبه على ملكه إلى وقت الموت وبعد الإعتاق والاستسعاء لا يتمكن . ا هـ .

وفي الهداية وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا على ما قالوا فلو كانت قيمته قنا سبعة وعشرين دينارا ضمن له ستة دنانير ; لأن ثلثيها وهو قيمة المدبر ثمانية عشر وثلثها وهو المضمون ستة والمدبر يضمن للساكت تسعة وإنما كان كذلك ; لأن الانتفاع بالوطء والسعاية والبدل وإنما زال الأخير فقط وإليه مال الصدر الشهيد وعليه الفتوى ، إلا أن الوجه المذكور يخص المدبرة دون المدبر ، وقيل يسأل أهل الخبرة أن العلماء لو جوزوا بيع هذا فأتت المنفعة المذكورة كم يبلغ فما ذكر فهو قيمته .

وهذا أحسن عندي كذا في فتح القدير وجوابه أن الاستخدام هو المنظور إليه الشامل للعبد والجارية والوطء من الاستخدام فالباقي في المدبر شيئان : الاستخدام والسعاية والفائت البدل ، وهذا المعنى يشمل العبد والجارية فلذا كان المفتى به ما في الهداية ، أما قيمة أم الولد والمكاتب فسيأتي إن شاء الله تعالى ، وقالا العبد للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا بناء على أن التدبير لا يتجزأ عندهما ولم يذكر المصنف أن للساكت الاستسعاء لظهوره ; لأن له أن يستسعي العبد في ثلث قيمته وللمدبر أن يستسعي العبد في ثلث قيمته مدبرا إذا اختار عدم تضمين المعتق كما في غاية البيان ولم يذكر الولاء قال في الهداية والولاء بين المعتق والمدبر أثلاثا ثلثاه للمدبر والثلث للمعتق ; لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار ا هـ .

ومراده أنه بين عصبة المدبر والمعتق ; لأن العتق لا يثبت للمدبر إلا بعد موت مولاه كما في غاية البيان والنهاية ، وفي فتح القدير وهو غلط .

لأن العتق المنجز يوجب إخراجه إلى الحرية بتنجيز أحد الأمور من التضمين مع اليسار والسعاية والعتق حتى منع استخدام المدبر إياه من حين وجوده كما لو أعتق أحد الشريكين ابتداء ودبره الآخر الساكت فإنه لا تتأخر حرية باقيه إلى موته كما قدمناه أول الباب إلى آخره وقيد المصنف باليسار ; لأن المدبر لو كان معسرا فللساكت الاستسعاء دون التضمين ، وكذا المعتق لو كان معسرا فللمدبر الاستسعاء دون تضمين المعتق ، كذا في غاية البيان وبهذا علم أن تقييد المصنف بيسار الثلاثة ليس بقيد ; لأن الاعتبار ليسار المدبر والمعتق ، أما الساكت فلا اعتبار بحاله من اليسار والإعسار ولم يذكر المصنف رجوع المدبر بما ضمنه للساكت على العبد ، وقد نص الحاكم الشهيد في الكافي بأنه يرجع على العبد بثلث قيمته قنا كما ضمن وقيد المصنف بكون الساكت اختار تضمين المدبر بعد تحرير الآخر ; لأنه لو اختار تضمين المدبر قبل أن يعتقه الآخر ثم أعتقه كان للمدبر أن يضمن المعتق ثلثي قيمته ; لأن الإعتاق وجد بعد تملك المدبر نصيب الساكت فله أن يضمنه ثلث قيمته قنا مع ثلث قيمته مدبرا كما هو صفته قال في فتح القدير وأورد بعض الطلبة على هذا أنه ينبغي أن يضمنه قيمة ثلثيه مدبرا ; لأنه حين ملك ثلث الساكت بالضمان صار مدبرا لا قنا ولذا قلنا في وجه كون ثلثي الولاء له ; لأنه صار كأنه دبر ثلثيه ابتداء والجواب لا يتم إلا بمنع كون الثلث الذي ملكه بالضمان للساكت صار مدبرا بل هو قن على ملكه إذ لا موجب لصيرورته مدبرا ; لأن ظهور الملك الآن لا يوجبه والتدبير يتجزأ وذكرهم إياه في وجه كون ثلثي الولاء له غير محتاج إليه إذ يكفي فيه أنه على ملكه حين أعتقه الآخر وأدى الضمان وإنما لم يكن ولاؤه له لما ذكرنا من أنه ضمان جناية لا تملك ا هـ .

وبما قررناه أولا علم أن الواو في قول المصنف وحرره آخر بمعنى ثم ، قيد به لأنه لو أعتقه أحدهم ودبره الآخر وكاتب الآخر ولا يعلم الأول فالتصرفات كلها جائزة ويسعى العبد للمدبر في سدس قيمته وضمن له المعتق أيضا [ ص: 262 ] سدس قيمته مدبرا إن كان موسرا ويسعى العبد في المكاتبة للثالث فإن عجز فهو بالخيار إن شاء استسعى العبد في ثلث قيمته والولاء أثلاثا ، وإن شاء ضمن المدبر المعتق ثلث قيمته نصفين إذا كانا موسرين والولاء بينهما نصفان ; لأنهما لما جهلا التاريخ يجعل كأن هذه التصرفات وقعن معا وأنها متجزئة عند أبي حنيفة فصحت ، ثم لا شيء للمعتق على أحد وإن أعتق واحد وكاتب الآخر ودبر الثالث معا ليس لواحد الرجوع ; لأن تصرف كل واحد حصل في ملك نفسه ، وإن دبر أحدهم أولا ، ثم أعتق الثاني ، ثم كاتب الآخر ثبت للمدبر الرجوع على المعتق بقيمة نصيبه ولا رجوع للمكاتب على أحد فإن دبر ، ثم كاتب ، ثم أعتق فحكم المدبر والمعتق ما ذكرنا ، أما المكاتب إذا عجز العبد يرجع على المعتق بقيمة نصيبه ; لأنه عاد عبدا له والمعتق أتلفه ، وإن كاتبه أولا ثم دبر ثم أعتق فإن لم يعجز العبد يعتق عليه ولا ضمان له على أحد وإن عجز يرجع على المدبر بثلث قيمته لا على المعتق وتمام تفريعاته في المحيط .


[ ص: 260 ] ( قوله : فللمدبر تضمين المعتق ثلثه مدبرا ) كذا في النسخ ومثله في النهر والصواب إبدال الثلث بالنصف كما هو ظاهر ، وقد نبه على ذلك أيضا أبو السعود محشي مسكين فقال الصواب أن يقال للمدبر أن يضمن المعتق نصفه مدبرا وثلثه قنا ، وقوله ولو كان حرره يشهد إلخ يشهد للتصويب .

التالي السابق


الخدمات العلمية