البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : له أعبد قال لاثنين أحدكما حر فخرج واحد ودخل آخر وكرر ومات بلا بيان عتق ثلاثة أرباع الثابت ونصف كل واحد من الآخرين ) شروع في بيان بعض مسائل العتق المبهم وصورة هذه المسألة رجل له ثلاثة أعبد فدخل عليه اثنان فقال أحدكما حر فخرج أحدهما ودخل آخر فقال أحدكما حر ومات المولى قبل أن يبين عتق من الثابت ثلاثة أرباعه وهو الذي أعيد عليه القول وعتق نصف كل واحد من الخارج والداخل عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقال محمد كذلك إلا في العبد الأخير فإنه يعتق ربعه أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت فأوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما فيصيب كل واحد منهما النصف ، غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني ربعا آخر ; لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل فيتنصف بينهما غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول فشاع النصف المستحق بالثاني في نصفيه فما أصاب المستحق بالأول لغا وما أصاب الفارغ بقي فيكون له الربع فتمت له ثلاثة الأرباع ; ولأنه لو أريد هو بالثاني يعتق نصفه ، ولو أريد به الداخل لا يعتق هذا النصف فيتنصف فعتق منه الربع بالثاني والنصف بالأول .

أما الداخل فمحمد رحمه الله تعالى يقول لما دار الإيجاب الثاني بينه وبين الثابت ، وقد أصاب الثابت منه الربع فكذا يصيب الداخل وهما يقولان إنه دائر بينهما وقضيته التنصيف وإنما نزل إلى الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا ولا استحقاق للداخل من قبل فيثبت فيه النصف قيد بقوله ومات بلا بيان ; لأنه ما دام حيا يؤمر بالبيان وللعبيد مخاصمته وإن بدأ بالبيان للإيجاب الأول فإن عنى به الخارج عتق الخارج بالإيجاب الأول وتبين أن الإيجاب الثاني بين الثابت والداخل وقع صحيحا لوقوعه بين عبدين فيؤمر بالبيان لهذا الإيجاب وإن عنى بالإيجاب الأول الثابت عتق الثابت بالإيجاب الأول وتبين أن الإيجاب الثاني وقع لغوا لحصوله بين حر وعبد في جواب ظاهر الرواية وإن بدأ بالبيان للإيجاب الثاني فإن عنى به الداخل بالإيجاب الثاني بقي الإيجاب الأول بين الخارج [ ص: 265 ] والثابت على حاله كما كان فيؤمر بالبيان وإن عنى به الثابت عتق الثابت بالإيجاب الثاني وعتق الخارج بالإيجاب الأول لتعينه للعتق بإعتاق الثابت ، وقيد بموته ; لأنه لو مات واحد منهم فإن مات الخارج عتق الثابت بالإيجاب الأول وتبين أن الإيجاب الثاني وقع باطلا وإن مات الثابت عتق الخارج بالإيجاب الأول والداخل بالإيجاب الثاني ; لأن الثابت قد أعيد عليه الإيجاب فموته يوجب تعيين كل واحد منهما للعتق وإن مات الداخل يؤمر المولى بالبيان للإيجاب الأول فإن عنى به الخارج عتق الخارج بالإيجاب الأول وبقي الإيجاب الثاني بين الداخل والثابت فيؤمر بالبيان وإن عنى به الثابت تبين أن الإيجاب الثاني وقع باطلا .

( قوله : ولو في المرض قسم الثلث على هذا ) أي على قدر ما يصيبهم من سهام العتق وشرحه أن يجمع بين سهام العتق وهي سبعة على قولهما ; لأنا نجعل كل رقبة على أربعة لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فنقول يعتق من الثابت ثلاثة أسهم ومن الآخرين من كل واحد منهما سهمان فبلغ سهام العتق سبعة والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفادها الثلث فلا بد أن تجعل سهام الورثة ضعف ذلك فتجعل كل رقبة على سبعة وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة ويسعى في أربعة ومن الباقين من كل واحد سهمان ويسعى في خمسة أسهم فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان ، وعند محمد يجعل كل رقبة على ستة ; لأنه يعتق من الداخل عنده سهم فنقصت سهام العتق سهما فصار جميع المال ثمانية عشر وباقي التخريج ما مر فحاصله أنه يعتق على قوله من الثابت نصفه ويسعى في النصف وعلى قولهما يعتق نصفه إلا نصف سبع ويعتق من الخارج ثلثه سهمان ويسعى في الثلثين وعلى قولهما يعتق ثلثه إلا ثلث سبع ومن الداخل سدسه وهو سهم واحد وعلى قولهما يعتق سبعاه قال في فتح القدير ولا يخفى أن الحاصل لورثته لا يختلف ا هـ .

ولا يخفى أن قسمة الثلث إنما هو عند عدم إجازة الورثة وضيق المال وعدم الدين أما إذا كانوا يخرجون من الثلث أو لا يخرجون لكن أجازه الورثة فالجواب كما إذا كان في الصحة يعتق من كل واحد ما عتق ويسعى في الباقي ، ولو كان على الميت دين مستغرق يسعى كل واحد في قيمته للغرماء ردا للوصية ; لأن العتق في مرض الموت وصية ولا وصية إلا بعد قضاء الدين فإن كان الدين غير مستغرق بأن كان ألفا وقيمة كل واحد من العبدين ألف مثلا يسعى كل واحد في نصف قيمته ، ثم نصف كل واحد منهما وصية .

فإن أجازت الورثة عتق النصف الباقي من كل واحد وإلا يعتق من كل واحد ثلث نصف الباقي وهو السدس مجانا ويسعى في ثلثي النصف كذا في البدائع في مسألة ما إذا أعتق عبديه في المرض ويستفاد منه مسألة الكتاب كما لا يخفى وأشار المصنف إلى أنه لو كان هذا في الطلاق فالحكم كذلك قال في الهداية ، ولو كان هذا في الطلاق وهن غير مدخول بهن ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمان ومن مهر الداخلة ثمنه قيل هذا قول محمد ، وعندهما يسقط ربعه ، وقيل هو قولهما أيضا ، وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريعها في الزيادات . ا هـ . وقد أوضحه في فتح القدير ، ثم اعلم أن جهالة المعتق لا تخلو إما أن تكون أصلية وإما أن تكون طارئة فإن كانت أصلية وهي أن تكون الصيغة من الابتداء مضافة إلى أحد المذكورين غير عين فصاحبه المزاحم لا يخلو إما أن يكون محتملا للإعتاق أو لا يكون محتملا له والمحتمل لا يخلو من أن يكون ممن ينفذ إعتاقه فيه أو ممن لا ينفذ فإن كان محتملا للإعتاق وهو ممن ينفذ إعتاقه فيه كقوله لعبديه أحدكما حر فالكلام فيه في موضعين ، الأول في كيفية هذا التصرف ، والثاني في أحكامه أما كيفيته فقيل إن العتق معلق بالبيان ولا يثبت العتق قبل الاختيار إلا أنه ها هنا يدخل الشرط على [ ص: 266 ] الحكم لا على السبب كالتدبير والبيع بخيار الشرط بخلاف التعليق بسائر الشروط ونسب هذا القول إلى أبي يوسف ويقال إنه قول أبي حنيفة أيضا .

وقال بعضهم هو تنجيز العتق في غير المعين للحال واختيار العتق في أحدهما بيان ونسب هذا القول لمحمد ولم يكن منصوصا عليه من أصحابنا لكنه مدلول عليه ومشار إليه أما الدلالة فلأنه ظهر الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد في الطلاق فيمن قال لامرأتيه إحداكما طالق أن العدة تعتبر من وقت الاختيار في قول أبي يوسف والعدة إنما تجب من وقت وقوع الطلاق فدل أن الطلاق لم يكن واقعا وفي قول محمد يعتبر من وقت الكلام السابق وهو يدل على أن الطلاق قد وقع من حين وجوده ، أما الإشارة فإنه روي عن أبي يوسف أنه قال إذا أعتق أحد عبديه تعلق العتق بذمته ويقال له أعتق وفيه إشارة إلى أنه غير نازل في المحل ومعنى قوله أعتق اختر العتق لإجماعنا أنه لا يكلف بإنشاء العتق وذكر محمد في الزيادات يقال له بين ، وفيه إشارة إلى الوقوع في غير المعين ، ثم القائلون بالبيان اختلفوا في كيفية البيان فمنهم من قال إنه إظهار محض ، وقيل إظهار من وجه إنشاء من وجه ، وهذا غير سديد ; لأن القول الواحد لا يكون إظهارا وإنشاء ، أما الأحكام فنقول إن للمولى أن يستخدمهما ويستغلهما قبل الاختيار ، وهذا يدل على أنه غير واقع ، ولو جنى عليهما قبل الاختيار فلا يخلو إما أن كانت من المولى أو من الأجنبي وكل لا يخلو إما أن يكون على النفس أو على ما دون النفس فإن كانت من المولى على ما دون النفس بأن قطع يدهما فلا شيء عليه وهو يدل على عدم نزول العتق وسواء قطعهما معا أو على التعاقب وإن كان على النفس بأن قتلهما فإن كان على التعاقب فالأول عبد والثاني حر فتلزمه دية الثاني وتكون لورثته ولا يرث المولى منها شيئا وإن قتلهما معا بضربة واحدة فعليه نصف دية كل واحد منهما .

وهذا يؤيد القول بنزول العتق في غير المعين وإن كانت من أجنبي فيما دون النفس بأن قطع إنسان يدهما فعليه أرش العبيد للمولى وهو نصف قيمة كل واحد منهما قطعهما معا أو على التعاقب وهو يدل على عدم نزوله ، وإن كانت في النفس فلا يخلو إما أن يكون القاتل واحدا أو اثنين فإن كان واحدا فإن قتلهما معا فعلى القاتل نصف قيمة كل واحد منهما وتكون للمولى وعليه نصف دية كل واحد منهما لورثتهما ، وهذا يدل على أن العتق نازل في غير العين وإن قتلهما على التعاقب يجب على القاتل قيمة الأول للمولى ودية الثاني للورثة وإن كان القاتل اثنين فإن كانا معا فعلى كل واحد منهما القيمة نصفها للورثة ونصفها للمولى وإنما لم تجب دية ; لأن من تجب عليه الدية منهما مجهول بخلاف ما إذا كان واحدا وإن كان على التعاقب فعلى الأول القيمة للمولى وعلى الثاني الدية للورثة ، ولو كانا أمتين فولدت كل واحدة ولدا أو أحدهما فاختار المولى عتق أحدهما عتقت هي وعتق ولدها سواء كان للأخرى ولد أو لم يكن ، أما على قول التخيير فظاهر وهكذا على قول التعليق لانعقاد السبب فيسري كالاستيلاد ، ولو ماتا معا قبل الاختيار ، وقد ولدت كل ولدا خير المولى فيختار عتق أي الولدين شاء كما كان مخيرا فيهما .

ولو قتل الأمتين رجل خير المولى في الولدين فأيهما اختار عتقه لا يرث من أرش أمه شيئا ; لأنه إنما عتق بالاختيار وهو بعد موت الأم فلا يرث منها ، بل يكون الكل للمولى ، وهذا نص مذهب التعليق ، ولو وطئتا بشبهة قبل الاختيار يجب عقرهما للمولى كالأرش وهو يؤيد قول التعليق ، ولو باعهما صفقة واحدة فسد البيع على المذهبين لانعقاد السبب على قول التعليق كما لو جمع بين قن ومدبر في البيع ولم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن ، ولو قبضهما المشتري وملك أحدهما وأعتقهما المشتري [ ص: 267 ] أمر البائع باختيار العتق وأيهما اختار عتقه عتق الآخر على المشتري فإن مات البائع قبل البيان قام الوارث مقامه فإن لم يعتق المشتري حتى مات البائع لم ينقسم العتق بينهما حتى يفسخ القاضي البيع فإذا فسخه انقسم وعتق من كل نصفه ، ولو وهبهما قبل الاختيار أو تصدق بهما أو تزوج عليهما تخير فيختار العتق في أيهما شاء وتجوز الصدقة والهبة والأمهار في الآخر ; لأن حرية أحدهما لا يوجب بطلان هذه التصرفات ; لأنه لو جمع في الهبة بين حر وعبد فإنه يصح في العبد وإن مات المولى قبل أن يبين العتق في أحدهما بطلت الهبة والصدقة فيهما وبطل إمهاره لشيوع العتق بموته ، ولو أسرهما أهل الحرب كان للمولى أن يختار العتق ويكون الآخر لأهل الحرب .

فإن لم يختر حتى مات بطل ملك أهل الحرب لشيوع الحرية فيهما ، ولو اشتراهما من أهل الحرب تاجر فللمولى أن يختار عتق أيهما شاء ويأخذ الآخر بحصته من الثمن فإن اشترى التاجر أحدهما فاختار المولى عتقه وبطل الشراء فإن أخذه المولى من الذي اشتراه بالثمن عتق الآخر ، ولو أعتق أحد عبديه في صحته ، ثم بين في المرض فإنه يعتق من جميع المال وإن كانت قيمته أكثر من الثلث ، وهذا يدل على أن إضافة العتق إلى المجهول إيقاع وتنجيز إذ لو كان تعليقا لاعتبر من الثلث كالإنشاء في المرض وسيأتي بيان ما يكون بيانا وما لا يكون بيانا ، ولو قال أحد عبيدي حر ثلاث مرات وله ثلاثة عتقوا جميعا ، ولو قال أحدكم حر وكرره ثلاثا لم يعتق إلا واحد ; لأن أحدهم عتق باللفظ الأول ، ثم باللفظ الثاني جمع بين حر وعبدين فقال أحدكم حر فلم يصح ، ثم باللفظ الثالث جمع بين عبد وحرين فلم يصح ذلك أيضا ، ولو قال لعبده أنت حر أو مدبر يؤمر بالبيان فإن قال عنيت به الحرية عتق وإن قال عنيت التدبير صار مدبرا فإن مات قبل البيان والقول في الصحة عتق نصفه بالإعتاق البات ونصفه بالتدبير لشيوع العتقين فيه إلا أن نصفه يعتق مجانا من جميع المال ونصفه يعتق من الثلث سواء كان التدبير في المرض أو في الصحة إن خرج من الثلث عتق كل النصف وإن لم يكن له مال غيره عتق ثلث النصف ويسعى في ثلثي النصف وهو ثلث الكل .

أما الحكم بعد موت المولى من غير بيان فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه والخيار لا يورث لشيوع العتق ويسعى في نصفه ، وهذا كله إذا كان المزاحم له محتملا للعتق وهو ممن ينفذ إعتاقه فيه فإن كان مما لا ينفذ إعتاقه فيه بأن جمع بين عبده وعبد غيره ، وقال أحدكما حر لا يعتق عبده إلا بالنية لاحتماله كلا منهما وإن كان المزاحم مما لا يحتمل الإعتاق كما إذا جمع بين عبد وبهيمة أو حائط أو حجر ، وقال أحدكما حر توقف على النية ; لأن الصيغة للإخبار وهو صادق ، ولو جمع بين عبده ومدبره ، وقال أحدكما حر لا يصير عبده مدبرا إلا بالنية ، أما الجهالة الطارئة بأن أضافه إلى أحدهما بعينه ، ثم نسيه فالكلام فيه في موضعين : أحدهما في كيفية هذا التصرف ، ثانيهما في أحكامه أما الأول فلا خلاف في أن أحدهما حر قبل البيان والبيان فيه إظهار ، أما الثاني [ ص: 268 ] فهي ضربان ضرب يتعلق بحياة المولى والآخر بعد موته أما الأول فإنه يمنع عن وطئهن واستخدامهن ، والحيلة في أن يباح له وطؤهن أن يعقد عليهن عقد النكاح فتحل له الحرة منهن ويأمره القاضي بالبيان فإن امتنع حبسه ليبين وإن ادعى كل ولا بينة وجحد استحلفه القاضي لكل واحد منهما بالله ما أعتقته .

فإن نكل لهما عتقا وإن حلف لهما أمر بالبيان ; لأن حرية أحدهما لا ترتفع باليمين فإن حلف المولى للأول عتق الذي لم يحلف له وإن لم يحلف له عتق هو وإن حلف لهما وكانا أمتين يحجب عنهما حتى يبين والبيان في هذه الجهالة نوعان نص ودلالة أو ضرورة فالنص أن يعينه بقوله ، أما الدلالة أو الضرورة فهو أن يفعل أو يقول ما يدل على البيان كأن يتصرف في أحدهما تصرفا لا يصح إلا في الملك من البيع والهبة والإعتاق ، وكذا إذا كانا أمتين فوطئ إحداهما عتقت الأخرى بلا خلاف بخلاف الجهالة الأصلية عند الإمام وإن كن عشرا فوطئ إحداهن تعينت الموطوءة للرق حملا لأمره على الصلاح وتعينت الباقيات لكون المعتقة فيهن فتتعين بالبيان نصا أو دلالة ، وكذا لو وطئ الثانية والثالثة إلى التاسعة فتتعين الباقية وهي العاشرة للعتق ، ولو ماتت واحدة منهن قبل البيان فالأحسن أن لا يطأ الباقيات قبل البيان فلو فعل جاز لاحتمال أن يتذكر أن المعتقة هي الميتة ; لأن الحي هنا لا يتعين للعتق بخلاف الجهالة الأصلية ، ولو كانت اثنتين فماتت واحدة منهما لا تتعين الباقية للعتق ; لأن الميتة لم تتعين للملك فوقف تعينها للعتق على البيان ، ولو قال المولى هذا مملوك وأشار إلى أحدهما تعين الآخر للعتق دلالة أو ضرورة .

ولو باعهما جميعا صفقة واحدة كان البيع فاسدا ، وكذا لو كانوا عشرة باعهم صفقة ، ولو باعهم على الانفراد جاز البيع في التسع وتعين العاشر للعتق ، أما الثاني فهو أن المولى إذا مات قبل البيان يعتق من كل منهما نصفه مجانا ويسعى كل في نصفه كما في الجهالة الأصلية كذا في البدائع مع اختصار وحذف الدلائل .


[ ص: 261 - 264 ] ( قوله فعتق منه الربع بالثاني ) أي عتق من العبد الثابت ربعه بالإيجاب الثاني والنصف بالإيجاب الأول فتمت له ثلاثة الأرباع على الوجهين [ ص: 265 ]

( قوله : فإن عنى به الخارج عتق الخارج بالإيجاب الأول وبقي الإيجاب الثاني بين الداخل والثابت فيؤمر بالبيان ) كذا في النسخ وعبارة الفتح فإن عنى به الخارج عتق الثابت أيضا بالإيجاب الثاني ا هـ .

ومثله في المعراج والتتارخانية وغرر الأفكار والعناية وهذا ظاهر ، ثم راجعت البدائع فوجدت ما ذكره المؤلف هو عبارتها بحروفها وهو مشكل فإن الموت بيان فموت الداخل يقتضي تعين الثابت بالإيجاب الثاني ومن العجب ما كتبه الرملي حيث قال قوله فيؤمر بالبيان وذلك ; لأن موت الداخل بيان للإيجاب الثاني فقط فبقي الأول منهما على حاله . ا هـ .

فإنه غير ملاق لما كتب عليه نعم هو ظاهر على ما نقله عن الفتح وغيره ولعل نسخته موافقة لذلك [ ص: 266 ]

( قوله : وأما الأحكام ) معطوف على قوله أما كيفيته وهذا هو الموضع الثاني ، وقد جعله في البدائع نوعين نوع يتعلق به في حال حياة المولى ونوع يتعلق به بعد وفاته ، ثم قال أما الأول فنقول للمولى إلخ وكان ينبغي للمؤلف أن يفعل كذلك ; لأنه سيأتي يقول وأما الحكم بعد موت المولى .

( قوله : وهذا يدل على أنه غير واقع ) لأنه لا سبيل إلى استخدام الحر من غير رضاه وقوله ويستغلهما أي يستكسبهما وتكون الغلة والكسب للمولى قال في البدائع وهذا أيضا يدل على ما قلنا .

( قوله : وإنما لم تجب دية إلخ ) قال في البدائع وإيجاب القيمتين دون قيمة ودية على قول من يقول إن العتق غير نازل ظاهر ; لأن كل واحد منهما قتل عبدا خطأ وأنه يوجب القيمة .

وأما على قول من يقول بنزول العتق فإنما لم تجب الدية ; لأن من تجب الدية عليه منهما مجهول إذ لا يعلم من الذي تجب عليه منهما فلا يمكن إيجاب الدية مع الشك ، والقيمة متيقنة فتجب بخلاف ما إذا كان القاتل واحدا ; لأن هناك من عليه معلوم إنما الجهالة فيمن له وأما انقسام القيمتين ; لأن المستحق لأحد البدلين هو المولى والمستحق للبدل الآخر هو الوارث وكل واحد منهما يستحق في حال ولا يستحق فوجوب أحد القيمتين حجة أحد القولين وانقسامهما حجة القول الآخر .

( قوله : وعلى الثاني الدية للورثة ) قال في [ ص: 267 ] البدائع ; لأن قتل الأول أوجب تعين الثاني للحرية والأول للرق .

( قوله : لشيوع العتق بموته ) قال في البدائع فيعتق من كل واحد منهما نصفه ومعتق البعض لا يحتمل التمليك من الغير .

( قوله : لشيوع الحرية فيهما ) قال في البدائع : لأنه لما مات المولى شاعت الحرية وعتق من كل واحد منهما نصفه فتعذر التملك وفيه ، ولو أسر أهل الحرب أحدهما لم يملكوه ; لأن أحدهما حر وثبت له حق الحرية بخلاف ما إذا باع أحدهما ; لأن بيعه إياه اختيار منه للملك فقد باع ملكه باختياره فصح .

( قوله : عتق الآخر ) قال في البدائع : لأن أخذه إياه إعادة له إلى قديم ملكه فيتعين الآخر .

( قوله : وله ثلاثة عتقوا ) قال في البدائع كما لو قال ابتداء أحد عبيدي حر وليس له إلا عبد واحد ; لأن لفظة أحد لا تقتضي آحادا ألا ترى أن الله تعالى موصوف أنه أحد ولا مثل له ولا شريك .

( قوله : ثم باللفظ الثالث جمع بين عبد وحرين ) هكذا رأيته في البدائع .

( قوله : وإن لم يكن له مال غيره إلخ ) لم يذكر مقابل قوله والقول في الصحة وفي البدائع هذا كله إذا كان القول في الصحة فإن كان في المرض يعتبر ذلك من الثلث .

( قوله : وأما الحكم بعد موت المولى ) هذا هو النوع الثاني من نوعي الأحكام المذكورين في البدائع كما نبهنا عليه سابقا .

( قوله : والخيار لا يورث ) أي فلا يقوم الوارث فيه مقامه قال في البدائع : ثم فرقا بين هذا الخيار وبين خيار التعيين في باب البيع فإن الوارث هناك يقوم مقام المورث في البيان أن هناك ملك المشتري أحد العبدين مجهولا فمتى جرى الإرث يثبت ولاية التعيين أما ها هنا فأحدهما حر أو استحق الحرية وذلك يمنع جريان الإرث في أحدهما .

( قوله : لشيوع العتق ) علة لقوله يعتق .

( قوله : توقف على النية ) هذا قولهما وعبارة البدائع فإن عبده يعتق في قول أبي حنيفة نوى أو لم ينو وقال أبو يوسف ومحمد لا يعتق إلا بالنية [ ص: 268 ]

( قوله : وإن ادعى كل ) أي ادعى كل واحد من العبدين أنه الحر .

( قوله : فإن حلف المولى للأول إلخ ) عبارة البدائع بعد قوله باليمين هكذا وما ذكرنا من رواية ابن سماعة عن محمد في الطلاق يكون ذلك رواية في العتاق وهو أنهما إذا استحلفا فحلف المولى للأول يعتق الذي لم يحلف له ; لأنه لما حلف للأول والله ما أعتقه فقد أقر برقيته فيتعين الآخر للحرية كما إذا قال ابتداء لأحدهما عينا هذا عبد وإن لم يحلف له عتق ; لأنه بدل له الحرية .

( قوله : عند الإمام ) قال في البدائع : لأن العتق غير نازل في إحداهما فكانت كل واحدة منهما حلال الوطء .

( قوله : فالأحسن أن لا يطأ الباقيات إلخ ) ذكر في البدائع عند قوله يمنع عن وطئهن واستخدامهن الذي قدمه المؤلف آنفا ما نصه ; لأن واحدة منهن حرة بيقين وكل واحدة يحتمل أن تكون هي الحرة ووطء الحرة من غير نكاح حرام فيمنع من ذلك صيانة له عن الحرام ولا يجوز أن يطأ واحدة منهن بالتحري تأمل .

( قوله : بخلاف الجهالة الأصلية ) أي إذا ماتت واحدة منهن فإن الميتة لا تتعين للحرية ; لأن الحرية هناك غير نازلة في إحداهن وإنما تنزل عند وجود الشرط وهو الاختيار مقصورا عليه والمحل ليس بقابل للحرية وقت الاختيار وفي هذا النوع من البيان إظهار وتعيين لمن نزلت فيه الحرية من الأصل [ ص: 269 ] فلم تكن الحياة شرطا كذا في البدائع .

التالي السابق


الخدمات العلمية