البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطا ) .

وعن أبي يوسف أكثره خمسة وسبعون سوطا والأصل فيه الحديث { من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين } فتعذر تبليغه حدا بالإجماع غير أن أبا حنيفة اعتبر أدنى الحدود وهو حد العبيد ; لأن مطلق ما روينا يتناوله وأقله أربعون وأبو يوسف اعتبر حد الأحرار ; لأنهم هم الأصول وأقله ثمانون فلا بد من النقص عنه ففي رواية عنه ينقص خمسة وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو ظاهر الرواية عن أبي يوسف كما في فتح القدير قيل وليس فيه معنى معقول فلا يضره ; لأنه قلد فيه عليا رضي الله عنه ويجب تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي وفي رواية ينقص سوط وفي الحاوي القدسي قال أبو يوسف أكثره في العبد تسعة وثلاثون سوطا وفي الحر خمسة وسبعون سوطا وبه نأخذ ا هـ .

فعلم أن الأصح قول أبي يوسف وفي المجتبى وروي أنه ينقص منها سوطا وهو قول زفر وهو القياس وهو الأصح . ا هـ .

وفي فتح القدير وبما ذكرنا من تقدير أكثره بتسعة وثلاثين يعرف أن ما ذكر مما تقدم من أنه ليس في التعزير شيء مقدر بل مفوض إلى رأي الإمام أي من أنواعه ، فإنه يكون بالضرب [ ص: 52 ] وبغيره مما تقدم ذكره أما إن اقتضى رأيه الضرب في خصوص الواقعة ، فإنه حينئذ لا يزيد على تسعة وثلاثين . ا هـ . ، وقد وقع لي تردد في مسألة وهي أن إنسانا لو ضرب إنسانا بغير حق أكثر من أكثر التعزير ورفع إلى القاضي وثبت عليه أنه ضربه مثلا خمسين سوطا كيف يعزره القاضي ، فإنه إن ضربه خمسين زاد على أكثر التعزير وإن اقتصر على الأكثر لم يكن مستوفيا لحق المضروب إلا أن يقال : إن حقه التعزير لا القصاص ، وقد صرح في الخانية أن مما يجب التعزير به الضرب .

( قوله وأقله ثلاثة ) أي أقل التعزير بالضرب ثلاثة أسواط وهكذا ذكر القدوري فكأنه يرى أن ما دونها لا يقع به الزجر وليس كذلك بل يختلف ذلك باختلاف الأشخاص فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه فيكون مفوضا إلى رأي القاضي يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه على ما بينا تفاصيله وعليه مشايخنا كذا في التبيين .

والحاصل أن على ما في المختصر لو علم القاضي أن الزجر يحصل بسوط لا يكتفي به بل لا بد من الثلاثة وعلى قول المشايخ يكتفي به . ا هـ .

( قوله وصح حبسه بعد الضرب ) أي جاز للحاكم أن يحبس العاصي بعد الضرب فيجمع بين حبسه وضربه ; لأنه صلح تعزيرا ، وقد ورد به الشرع في الجملة حتى جاز أن يكتفي به فجاز أن يضم إليه ولهذا لم يشرع في التعزير بالتهمة قبل ثبوته كما شرع في الحد ; لأنه من التعزير أطلق في الحبس فشمل الحبس في البيت والسجن قال في الحاوي القدسي ، وقد يكون التعزير بالحبس في بيته أو في السجن . ا هـ .

( قوله وأشد الضرب التعزير ) ; لأنه جرى التخفيف فيه من حيث العدد فلا يخفف من حيث الوصف كي لا يؤدي إلى فوات المقصود ولم يذكر المصنف أنه يفرق على الأعضاء كضرب الحدود ; لأنه لا يفرق كما في الهداية وإليه يشير إطلاق الأشدية الشاملة لقوته وجمعه في عضو واحد وفي حدود الأصل يفرق التعزير على الأعضاء وفي أشربة الأصل يضرب التعزير في موضع واحد قال في التبيين وليس في المسألة اختلاف الرواية وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فموضوع الأول إذا بلغ بالتعزير أقصاه وموضوع الثاني إذا لم يبلغ . ا هـ .

وهكذا في المجتبى وفي فتح القدير وأثبت الاختلاف في غاية البيان معزيا إلى الإسبيجابي فقال بعضهم الشدة هو الجمع فتجمع الأسواط في عضو واحد ولا يفرق على الأعضاء بخلاف سائر الحدود وقال بعضهم لا بل شدته في الضرب لا في الجمع . ا هـ .

قالوا ويتقي المواضع التي تتقى في الحدود قال في المجتبى ويضرب الظهر والألية قالوا ويبلغ في التعزير غايته وهو تسعة وثلاثون سوطا فيما إذا أصاب من الأجنبية كل محرم غير الجماع وفيما إذا أخذ السارق بعدما جمع المتاع قبل الإخراج وفيما إذا شتمه بجنس ما يجب به حد القذف كقوله للعبد أو الذمي يا زاني وأشار بالأشدية إلى أنه يجرد من ثيابه قال في غاية البيان ويجرد في سائر الحدود إلا في حد القذف ، فإنه يضرب وعليه ثيابه كما قدمناه ويخالفه ما في فتاوى قاضي خان يضرب للتعزير قائما عليه ثيابه وينزع الفرو والحشو ولا يمد في التعزير . ا هـ .

والظاهر الأول لتصريح المبسوط به وإلى أنه لو اجتمع التعزير مع الحدود قدم التعزير في الاستيفاء لتمحضه حقا للعبد كذا في الظهيرية ( قوله ثم حد الزنا ) ; لأنه ثابت بالكتاب وحد الشرب ثابت بقول الصحابة رضي الله عنهم ولأنه أعظم جناية حتى شرع فيه الرجم .

( قوله ثم الشرب ثم القذف ) يعني حد الشرب يلي حد الزنا في شدة الضرب قدمناه وحد القذف أدنى الكل وإن كان ثابتا بالكتاب إلا أن سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا وسبب حد الشرب متيقن به وهو الشرب والمراد أن الشرب متيقن السببية للحد لا متيقن الثبوت ; لأنه بالبينة أو الإقرار وهما لا يوجبان اليقين


( قوله : فعلم أن الأصح قول أبي يوسف ) يمكن أن يقال : إن قوله وبه نأخذ ترجيح لرواية خمسة وسبعين على رواية تسعة وسبعين المرويتين عن أبي يوسف ; لأن الأولى منهما هي ظاهر الرواية عنه ولا يلزم من ذلك أن يكون هذا ترجيحا لقوله على قول الإمام الذي عليه متون المذهب [ ص: 52 ] ( قوله : وقد وقع لي تردد إلخ ) قال في النهر لا معنى لهذا التردد مع قول المصنف بعد وصح حبسه بعد الضرب ثم قال في شرح قوله وصح حبسه بعد الضرب ; لأنه عجز عن الزيادة من حيث القدر لما روينا ، وقد لا يحصل الغرض بذلك القدر من الضرب فجاز له أن يضم الحبس إليه كذا في الشرح وهو صريح في دفع التردد السابق .

التالي السابق


الخدمات العلمية