البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وقسمة غنيمة في دارهم لا للإيداع ) أي حرم قسمة الغنائم في دار الحرب لغير إيداع لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم في دار الحرب ، والقسمة بيع معنى فتدخل تحته ولأن الاستيلاء إثبات [ ص: 91 ] اليد الحافظة والناقلة ، والثاني منعدم لقدرتهم على الاستنقاذ ووجوده ظاهرا ، والأصل عندنا أنه لا ملك قبل الإحراز بدار الإسلام فتحرم القسمة والبيع قبله ويشارك المدد العسكر قبله ولو من أهل الحرب إذا أسلموا بدارهم قبل الاستيلاء عليهم ولا يثبت نسب ولد أمة من السبي ادعاه بعض الغانمين قبله ويجب عقرها وتقسم الأمة والولد والعقر بين الغانمين ولا يورث نصيب من مات قبله ولا ضمان على من أتلف شيئا من الغنيمة قبله كذا ذكره الشارح وغيره وظاهره أن جميع تلك الأحكام إنما هي قبله أما بعده فالأحكام مختلفة ، وليس كذلك فإنه لا ملك بعد الإحراز بدار الإسلام أيضا إلا بالقسم بدار الإسلام فلا يثبت بالإحراز ملك لأحد بل يتأكد الحق ولهذا لو أعتق واحد من الغانمين عبدا بعد الإحراز لا يعتق ولو كان هناك ملك مشترك عتق بعتق الشريك ويجري فيه ما عرف في عتق الشريك فحكم استيلاد الجارية بعد الإحراز قبل القسمة وقبله سواء نعم لو قسمت تلك الغنيمة على الرايات أو العرافة فوقعت جارية بين أهل راية صح استيلاد أحدهم لها فإنه يصح عتقه لها لأنها مشتركة بينه وبين أهل تلك الراية والعرافة شركة ملك لكن هذا إذا قلوا حتى تكون الشركة خاصة أما إذا كثروا فلا لأن بالشركة العامة لا تثبت ولاية الإعتاق والقليل مائة أو أقل وقيل أربعون .

قال في المبسوط والأولى أن لا يوقت ويجعل موكولا إلى اجتهاد الإمام كذا في فتح القدير وفي التتارخانية قال المتأخرون وأحسن ما قيل فيه أن الجند إذا كان بحيث تقع بهم الشركة في الأغلب كانت الشركة فيما بينهم عامة وإن كانت بحيث لا تقع بهم الشركة في الغالب تكون شركة خاصة ا هـ .

وفيها وفي المنتقى قال أبو يوسف إذا أعتق الإمام عبدا من الخمس جاز عتقه وولاؤه لجماعة المسلمين وليس له أن يوالي أحدا ا هـ .

وفي المحيط ولو وطئ جارية لا يحد ويؤخذ منه العقر إن وطئها في دار الإسلام دون دار الحرب لأنه أتلف منافع بضعها ا هـ .

وهذا هو الظاهر لأن الوطء في دار الحرب لا يجب فيه شيء وقد نقله في التتارخانية بصيغة قال محمد فكان هو المذهب قال وكذا إذا قتل واحدا من السبي أو استهلك شيئا من الغنيمة في دار الحرب فلا ضمان عليه لا فرق بين أن يكون المستهلك من الغانمين أو غيرهم وعبر بالحرمة دون الصحة .

لأنه إذا قسم في دار الحرب مجتهدا أو قسم لحاجة الغانمين فصحيحة وإن قسم بلا اجتهاد أو اجتهد فوقع على عدم صحتها فغير صحيحة وقيد بغير الإيداع لأنها للإيداع جائزة وصورتها أن لا يكون للإمام من بيت المال حمولة يحمل عليها الغنائم فيقسمها بين الغانمين قسمة إيداع ليحملها إلى دار الإسلام ثم يرتجعها منهم فيها فإن أبوا أن يحملوها أجبرهم على ذلك بأجر المثل في رواية السير الكبير لأنه دفع ضرر عام بتحميل ضرر خاص كما لو استأجر دابة شهرا فمضت المدة في المفازة أو استأجر سفينة فمضت المدة في وسط البحر فإنه ينعقد عليها إجارة أخرى بأجر المثل ولا يجبرهم في رواية السير الصغير لأنه لا يجبر على عقد الإجارة ابتداء كما إذا نفقت دابته في المفازة ومع رفيقه دابة لا يجبر على الإجارة بخلاف ما استشهد به فإنه بناء وليس بابتداء وهو أسهل منه ولو كان في بيت المال أو في الغنيمة حمولة حمل عليها لأن الكل مالهم وفي الخانية ولو أن الإمام أودع الغنيمة إلى بعض الجند قبل القسمة ولا يبين ما فعل حتى مات لا يضمن شيئا وفي السير الكبير وإذا أراد أمير العسكر أن يرسل رسولا من دار الحرب إلى دار الإسلام بشيء من أموال المسلمين ولم يقدر الرسول أن يخرج إلا فارسا ولبعض العسكر فضل فرس فلا بأس بأخذ فرسه على كره منه ا هـ .


[ ص: 91 ] قوله ولو من أهل الحرب إذا أسلموا بدارهم ) سيذكر عند قول المتن لا السوقي ما يخالفه فتأمل ( قوله ويجب عقرها ) سيذكر في هذه القولة ما يخالفه ( قوله فكان هو المذهب ) أفاد أن ما قدمه عن الشارح الزيلعي خلاف المذهب ( قوله ولا يجبرهم في رواية السير الصغير ) قال في الفتح والأوجه أنه إن خاف تفرقهم لو قسمها قسمة الغنيمة يفعل هذا وإن لم يخف قسمها قسمة الغنيمة في دار الحرب فإنها تصح للحاجة وفيه إسقاط الإكراه وإسقاط الأجرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية