البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وتبطل الشركة بموت أحدهما ، ولو حكما ) لأنها تتضمن الوكالة ولا بد منها لتحقق الشركة على ما مر والوكالة تبطل بالموت ، والموت الحكمي الالتحاق بدار الحرب مرتدا إذا قضى القاضي به ; لأنه بمنزلة الموت كما قدمناه فلو عاد مسلما لم يكن بينهما شركة وإن لم يقض بلحاقه انقطعت على سبيل التوقف بالإجماع فإن عاد مسلما قبل أن يحكم بلحاقه فهما على الشركة وإن مات أو قتل انقطعت ، ولو لم يلحق بدار الحرب وانقطعت المفاوضة على التوقف هل تصير عنانا عند أبي حنيفة لا ، وعندهما تبقى عنانا ذكره الولوالجي أطلقه فشمل ما إذا علم الشريك بموت صاحبه أو لم يعلم ; لأنه عزل حكمي فلا يشترط له العلم ، وفي المحيط ولو أبضع أحد المتفاوضين ألفا له ولشريك له شركة عنان برضا شريك العنان ليشتري لهما متاعا ، ثم مات أحدهم فإن مات المبضع ، ثم اشترى المستبضع فالمتاع للمشتري ويضمن المال ويكون نصفه لشريك العنان ونصفه للمفاوض الحي ولورثة الميت ; لأنه انعزل المستبضع في حق الكل بموته ; لأنه انقطع أمر الميت على نفسه وشركائه وإن مات شريك العنان ، ثم اشترى المستبضع فالمشترى كله للمتفاوضين ; لأنه انفسخت الشركة بموته فانعزل المستبضع في حقه وبقي الإبضاع صحيحا في حق المتفاوضين ، ثم ورثة الميت إن شاءوا رجعوا بحصتهم على أيهم شاءوا ، وإذا لزم أحد المتفاوضين ضمان لزم الآخر وإن شاءوا ضمنوا المستبضع ويرجع به المستبضع على أيهما شاء وإن مات المفاوض الذي لم يبضع ، ثم اشترى المستبضع فنصفه للآمر ونصفه لشريك العنان ويضمن المفاوض الحي لورثة الميت حصتهم وإن شاءوا ضمنوا المبضع ويرجع بها على الآمر . ا هـ .

وفيه أيضا باع أحد المتفاوضين شيئا نسيئة ، ثم مات ليس لصاحبه أن يخاصم فيه ; لأنه إنما كان له مطالبة المشتري ومخاصمته بحكم الوكالة ، وقد انقطعت بالموت فإن أعطاه المشتري نصف الثمن برئ منه ; لأنه دفع الملك إلى مالكه . ا هـ .

وفي الظهيرية ولو كان الشركاء ثلاثة فمات أحدهم حتى انفسخت الشركة في حقه لا تنفسخ في حق الباقين ، ثم قال وإذا مات أحد المتفاوضين والمال في يد الحي فادعى ورثة الميت المفاوضة وجحد ذلك فأقام ورثة الميت بينة أن أباهم كان شريكه مفاوضة لم يقض لهم بشيء مما في يد الحي إلا أن يشهد الشهود أن المال كان في يده حال حياة الميت وأنه من شركة بينهما . ا هـ .

ولم يذكر المصنف حكم ما إذا فسخها أحدهما ، وفي البزازية إنكارها فسخ وإن فسخها أحدهما لا تنفسخ ما لم يعلم الآخر وإن فسخها أحدهما ورأس مالها نقد صح وإن عروضا وضالا رواية فيها إنما الرواية في المضاربة والطحاوي جعلها كالمضاربة في عدم الانفساخ ، وذكر بكر أنهما إذا فسخا المضاربة والمال عروض يصح وإن أحدهما لا ، وظاهر المذهب الفرق بين الشركة والمضاربة يصح فسخها لو عروضا لا المضاربة ، واختاره الصدر وصورته اشتركا واشتريا أمتعة ، ثم قال أحدهما لا أعمل معك بالشركة وغاب فباع الحاضر الأمتعة فالحاصل للبائع وعليه قيمة المتاع ; لأن قوله لا أعمل معك فسخ للشركة معه وأحدهما يملك فسخها وإن كان المال عروضا بخلاف المضاربة وهو المختار وذكر الطحاوي نهاه رب المال عن التصرف إن كان رأس المال من أحد النقدين فله أن يستبدله بالنقد الآخر ولا يعمل النهي وإن عروضا لا يصح النهي والحق الشركة بالمضاربة والحق المختار ما ذكرنا قال أحدهما لصاحبه أريد شراء هذه الجارية لنفسي فسكت الآخر فاشتراها فعلى الشركة ما لم يقل نعم ، ولو وكله بشراء [ ص: 200 ] جارية بعينها فقال ذلك فسكت الموكل فالمشترى للوكيل ; لأنه يملك عزل نفسه رضي به الموكل أم لا وأحد الشريكين لا يملك فسخها بلا رضا الآخر ا هـ .

وهكذا ذكر في الخلاصة أن أحد الشريكين لا يملك فسخها بلا رضا الآخر ، وفي فتح القدير أن هذا غلط ، وقد صحح هو انفراد الشريك بالفسخ والمال عروض والتعليل الصحيح ما ذكره في التجنيس أن أحد المتفاوضين لا يملك تغيير موجبها إلا برضا صاحبه وفي الرضا احتمال يعني إذا كان ساكتا والمراد بموجبها وقوع المشترى على الاختصاص ولا يشكل على هذا ما ذكره في الخلاصة في ثلاثة اشتركوا شركة صحيحة على قدر رءوس أموالهم فخرج واحد إلى ناحية من النواحي لشركتهم فشارك الحاضران آخر على أن ثلث الربح له والثلثين بينهم أثلاثا ثلثاه للحاضرين وثلثه للغائب فعمل المدفوع إليه بذلك المال سنين مع الحاضرين ، ثم جاء الغائب فلم يتكلم بشيء فاقتسموا ولم يزل يعمل معهم هذا الرابع حتى خسر المال أو استهلكه فأراد الغائب أن يضمن شريكيه لا ضمان عليهما وعمله بعد ذلك رضا بالشركة ; لأن هذا أخص من السكوت السابق لما فيه من زيادة العمل . ا هـ .

وقد ظهر لي أن لا غلط في كلامهم لإمكان التوفيق فقولهم يملك فسخها بلا رضا الآخر حيث أعلمه معناه رفع عقد الشركة بالكلية وقولهم في تعليل هذه المسألة أن أحدهما لا يملك فسخها بلا رضا الآخر معناه رفعها بالنسبة إلى المشتري فقط ، وحاصله أن أحدهما إذا أراد أن يشتري شيئا ويختص به ولا يكون على الشركة فلا بد من رضا صاحبه ولا يكفي علمه بخلاف ما إذا فسخها بالكلية ، وهذا هو الحق لمن أنصف من نفسه ، وفي الظهيرية ثلاثة نفر متفاوضون غاب أحدهم وأراد الآخر أن يتناقضا ليس لهما ذلك بدون الغائب ولا ينتقض البعض دون البعض ا هـ .

وفي المحيط جحد أحد المتفاوضين وقعت الفرقة وضمن نصف جميع ما في يده إذا ظهرت المفاوضة بالبينة العادلة ; لأنه أمين جحد الأمانة فصار غاصبا ، وكذلك جحود وارثه بعد موته باع أحد المتفاوضين شيئا ، ثم افترقا والمشتري لا يعلم فلكل واحد قبض المال كله فإلى أيهما دفع برئ وإن علم بالفرقة لم يدفع إلا إلى العاقد ، ولو دفع إلى شريكه لا يبرأ عن نصيب العاقد ، وكذا لو وجد به عيبا لا يخاصم به إلا البائع ، ولو رد عليه بالعيب قبل الافتراق وحكم عليه بالثمن [ ص: 201 ] ثم افترقا له أن يأخذ أيهما شاء ، ولو استحق العبد قبل الفرقة وقبل نقد الثمن له أن يأخذ أيهما شاء . ا هـ .

وفيه قبله ، ولو أبضع أحدهما رجلا فاشترى المستبضع بالبضاعة شيئا بعد تفرقهما فإن علم بتفرقهما فالمشترى للمبضع خاصة وإن لم يعلم فإن كان الثمن مدفوعا إلى المستبضع نفذ الشراء عليهما وإن لم يكن مدفوعا إليه فالمشترى للمبضع ا هـ .

ولم يذكر المصنف حكمها إذا جن أحدهما ، وفي التتارخانية سئل أبو بكر عن شريكين جن أحدهما وعمل الآخر بالمال حتى ربح أو وضع ، قال الشركة بينهما قائمة إلى أن يتم إطباق الجنون عليه فإذا قضى ذلك الوقت تنفسخ الشركة بينهما فإذا عمل بالمال بعد ذلك فالربح كله للعامل والوضيعة عليه وهو كالغصب لمال المجنون فيطيب له ربح ماله ولا يطيب له ما ربح من مال المجنون فيتصدق به . ا هـ .

ثم اعلم أن الشريكين إذا اشتريا بالمال متاعا ، ثم أرادا القسمة فإنه يقوم ذلك يوم اشترياه ويكون الربح بينهما على قدره ، ولو اشتركا في العروض على أن لكل واحد حصة ماله فاشتريا بها متاعا ، ثم باعاه بألف درهم فإنهما يقتسمان الدراهم على قيمة العروض يوم اشترياه ، كذا في الينابيع ولم يذكر المصنف حكم اختلافهما ولا بأس ببيانه تتميما للفائدة وفي الظهيرية ادعى أنه شاركه مفاوضة والمال في يد الجاحد ، فالقول للجاحد والبينة على المدعي فإن أقامها فإن شهدوا أنه مفاوضة وأن المال الذي في يده بينهما أو من شركتهما قبلت وقضى به بينهما وإن شهدوا أنه مفاوضة فقط ذكر السرخسي قبولها وذكر خواهر زاده قبولها إن شهدوا في مجلس الدعوى وإن بعدما تفرقا لا يقضي ما لم يشهدوا أنه بينهما نصفان أو أنه من شركتهما أو يقر الجاحد أن المال كان في يده يومئذ ، ثم إذا قضى به بينهما فادعى ذو اليد شيئا مما في يده لنفسه ميراثا أو هبة أو صدقة من غير جهة المدعي فإن كان شهود مدعي المفاوضة شهدوا أنه مفاوضة وأن المال بينهما نصفان أو شهدوا أنه مفاوضة وأن المال من شركتهما فلا تسمع دعواه ولا تقبل بينته وإن شهدوا أنه مفاوضة وأن المال في يده أو شهدوا أنه مفاوضة ولم يزيدوا قبلت عند محمد خلافا لأبي يوسف ، ولو ادعى شيئا مما في يده بطريق التلقي من المدعي تسمع وتقبل مطلقا ، وإذا افترق المتفاوضان ، ثم ادعى أحدهما أن شريكه كان بالنصف وادعى الآخر بالثلث ، وقد اتفقا على المفاوضة فجميع المال بينهما نصفان ، وهذا ظاهر وتمامه فيها .


( قوله : المصنف وتبطل الشركة بموت أحدهما ) أي تبطل شركة الميت قال في الظهيرية : ولو كان الشركاء ثلاثة مات أحدهم حتى انفسخت الشركة في حقه لا تنفسخ في حق الباقين . ا هـ .

[ ص: 200 ] ( قوله : وفي فتح القدير أن هذا غلط إلخ ) قال المقدسي في شرحه : حاصله أنه لو أبقى كلام الخلاصة على ظاهره كان غلطا لما أنه صرح بخلافه فلا بد من تأويل عبارته إلى ما ذكر في التجنيس من أنه لا يملك تغيير موجبها وهو اشتراك كل مشتري بأن يجعل بعض المشتريات خاصا مع بقاء عقد الشركة لا يملكه أحدهما بدون رضا الآخر ، وكونه يملك بانفراده الفسخ ورفع العقد لا ينافي ذلك وأقول : من هنا يتضح الفرق بين الوكيل وبين الشريك فإن سكوت الموكل حين قال الوكيل أريد شراء الأمة لنفسي يكفي ; لأنه كأنه عزل نفسه من الوكالة بعلم الموكل فصح وأحد الشريكين لما سكت مع بقاء حكم الوكالة المتضمنة للشركة لا يدل على الرضا لاحتمال أنه معتمد على الشركة الباقية وأن حكمها اشتراك كل مشتري وأن الشرط المفسد لا يفسدها فلم يتم رضاه ، والوكالة الحكمية باقية بخلاف الوكالة المفردة ; لأنها ارتفعت بقول الوكيل أريد شراءها لنفسي أي لا لك وقد سكت فلو كان له غرض في بقائه لمنعه بما يشاهد ، وهذا فرق لطيف ظهر للعبد الضعيف . ا هـ .

( قوله : والتعليل الصحيح إلخ ) أي في مسألة الجارية السابقة أي لا يعلل بأن الوكيل يملك عزل نفسه رضي الموكل أم لا والشريك لا يملك فسخها بلا رضا الآخر ; لأنه مخالف لما صححه من انفراد الشريك بالفسخ والمال عروض ، قال في النهر : ولو حمل فرق الخلاصة على ما اختاره الطحاوي لكان أولى من نسبة الغلط إليه .

( قوله : وقد ظهر لي أن لا غلط في كلامهم إلخ ) حاصل هذا التوفيق إرجاع تعليلهم المسألة السابقة إلى ما ذكره في التجنيس وقد جعله في شرح المقدسي مؤدى كلام الفتح كما علمته وهو بعيد ، بل الظاهر أن مراد صاحب الفتح بيان المخالفة لما في التجنيس والمؤلف رحمه الله تعالى وفق بينهما بعدمها لكن قال في النهر وأنت خبير بأن تغيير موجبها لا يسمى فسخا . ا هـ .

وفيه نظر ; لأنه إن أراد لا يسمى فسخا للعقد بالكلية فمسلم وليس الكلام فيه ، وإن أراد لا يسمى فسخا للاشتراك في ذلك المشترى الخاص فممنوع ، نعم المتبادر من قولهم في التعليل المذكور وأحد الشريكين لا يملك فسخها بلا رضا الآخر أن المراد فسخ عقد الشركة بالكلية لا فسخها في ذلك المشترى الخاص ; ولذا جزم في الفتح بأنه غلط لكن كلام المؤلف في إمكان التوفيق ولا شك أنه ممكن بما ذكر ، وإن كان خلاف المتبادر وتعبيره بالإمكان مشير إلى ذلك وبالجملة فهو أولى من الحمل على الغلط وكذا من حمله على ما ذكره الطحاوي ; لأنه يناقضه تقديم تصحيح خلافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية