البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قوله ( ولو دارا فعمارته على من له السكنى ) أي لو كان الموقوف دارا فعمارة الموقوف على من له سكناه لأن الخراج بالضمان وصار كنفقة العبد الموصى بخدمته وفي الظهيرية فإن كان المشروط له السكنى رم حيطان الدار الموقوفة بالآجر وجصصها أو أدخل فيها أجذاعا ثم مات ولا يمكن نزع شيء من ذلك إلا بتضرر بالبناء فليس للورثة أخذ شيء من ذلك ولكن يقال للمشروط له السكنى بعده اضمن لورثته قيمة البناء ولك السكنى فإن أبى أوجرت الدار وصرفت الغلة إلى ورثة الميت بقدر قيمة البناء فإذا وفت غلته بقيمة البناء أعيد السكنى إلى من له السكنى وليس لصاحب السكنى أن يرضى بقلع ذلك وهدمه وإن كان ما رم الأول مثل تجصيص الحيطان أو تطيين السطوح أو ما أشبه ذلك ثم مات الأول فليس للورثة أن يرجعوا بشيء من ذلك ألا ترى أن رجلا لو اشترى دارا وجصصها وطين سطوحها ثم استحقت الدار لا يكون للمشتري أن يرجع على البائع بقيمة الجص والطين وإنما يكون له أن يرجع بقيمة ما يمكنه أن ينقضه ويسلم نقضه إليه . ا هـ .

وجعل في المجتبى مسألة ما إذا عمرها ومات نظير ما إذا عمر [ ص: 235 ] دار غيره بغير إذنه ثم قال مستأجر حانوت الوقف بنى فيه بغير إذن القيم لا يرجع عليه ويرفع بناءه إن لم يضر بالوقف وإلا يتملكه القيم بأقل القيمتين منزوعا وغير منزوع فإن أبى يتربص إلى أن يخلص ماله ثم قال مستأجر الوقف بنى غرفة على الحانوت إن لم يضر بأصله ويزيد في أجرته أو لا يستأجر إلا بالغرفة يجوز وإلا فلا . ا هـ .

وفي القنية لو وقف دارا على رجل وأولاده وأولاد أولاده أبدا ما تناسلوا فإذا انقطعوا فإلى الفقراء ثم بنى واحد من أولاد أولاد الموقوف عليهم بعض الدار الموقوفة وطين البعض وجصص البعض وبسط فيه الآجر فطلب الآخر منه حصته ليسكن فيها فمنعه منها حتى يدفع له حصة ما أنفق فيها ليس له ذلك والتطيين والجص صار تبعا للوقف وله أن ينقض الآجر قال رضي الله عنه وإنما ينقض الآجر إذا لم يكن في نقضه ضرر بالوقف كمن بنى في الحانوت المسبل فله رفعه إذا لم يضر بالبناء القديم وإلا فلا . ا هـ .

وظاهر كلام المصنف وغيره أن من له الاستغلال لا تكون العمارة عليه بناء على أن من له الاستغلال لا يملك السكنى ومن له السكنى لا يملك الاستغلال كما صرح به في البزازية وفي فتح القدير بقوله وليس للموقوف عليهم الدار سكناها بل الاستغلال كما ليس للموقوف عليهم السكنى الاستغلال . ا هـ .

ويدل عليه قولهم إجارة العين للموقوف عليه صحيحة ومعلوم أن استئجار دار ممن له حق السكنى لا يجوز فجوازها دل على ما ذكرنا كذا في البزازية ولم أر حكم ما إذا سكن من له الاستغلال وفعل ما لا يجوز هل تجب الأجرة عليه ويأخذها المتولي ثم يدفعها إليه والذي يظهر أن الوقف إن كان محتاجا إلى العمارة وجبت الأجرة عليه فيأخذها المتولي ليعمر بها وإلا فلا فائدة في وجوبها حيث لم يكن له شريك في الغلة وإنما لم تكن عليه لأن المتولي عليها يؤجرها ويعمرها بأجرتها كما لو أبى من له السكنى لكن في الظهيرية وإذا صح الوقف واحتاج إلى العمارة فالعمارة على من يستحق الغلة ا هـ .

ويحمل على أن المعنى فالعمارة في غلتها ولما كانت غلتها له صار كأن العمارة عليه قال في الظهيرية وإن كان المشروط له غلة الأرض جماعة رضي بعضهم بأن يرمه المتولي من مال الوقف وأبى البعض فمن أراد العمارة عمر المتولي حصته بحصته ومن أبى تؤجر حصته وتصرف غلتها إلى العمارة إلى أن تحصل العمارة ثم تعاد إليه . ا هـ .

وفي التتارخانية ولو كان الواقف حين شرط الغلة لفلان ما عاش شرط على فلان مرمتها وإصلاحها فيما لا بد لها منه فالوقف جائز مع هذا الشرط . ا هـ .

وظاهره أنه يجبر على عمارتها وقياسه أن الموقوف عليه السكنى [ ص: 236 ] كذلك فإن قلت هل يصح بيع العمارة في الأرض الموقوفة قلت قال في القنية من الوقف ويجوز شراء عمارة أرض أو دار للمسجد إذا كانت الرقبة وقفا وإلا فلا ا هـ .

ومن البيوع ويشترط لجواز بيع العمارة في الحانوت والأشجار في الأرض أن لا يلحقها ضرر بالقلع لأملاك الباعة وفي الوقف لا يشترط ولو باع بناء واستثنى ما فيه من الخشب أو استثنى ما فيه من اللبن والتراب يجوز إذا اشتراه للنقض . ا هـ .

وفي القنية دار لسكنى الإمام هدمها وبناها لنفسه وسقفها من الخشب القديم لم يكن له بيع البناء إن بناها كما كانت وفيها أيضا وقف دارا على إمام مسجد ليسكنه بشرائطه ثم أخذ يؤم بنفسه ليس له أن يأخذ أجرتها ا هـ .


( قوله بناء على أن من له الاستغلال لا يملك السكنى إلخ ) قد سوى بين المسألتين والثانية منهما وفاقية والأولى خلافية والراجح فيها أنه يملك السكنى كما حققه الشرنبلالي في رسالة سماها تحقيق السؤدد فارجع إليها أقول : وقد ذكر الخصاف أولا التسوية بين المسألتين ثم فرق بينهما في باب آخر معللا بأن سكنى من له الاستغلال كسكنى غيره بخلاف العكس لأنه يوجب فيها حقا لغيره ومن له الاستغلال إذا سكن لا يوجب حقا لغيره ( قوله وفي فتح القدير بقوله وليس إلخ ) هذه العبارة تفيد أنه عند الإطلاق في الوقف يكون للاستغلال وفي النظم الوهباني ومن وقفت دار عليه فماله سوى الأجر والسكنى بها لا تقرر وتمامه في حاشية الرملي ( قوله ويدل عليه ) أي على أن من له الاستغلال ليس له السكنى وبيان الدلالة أن قولهم يصح أن تؤجر الدار للموقوف عليه يدل على أن المراد بالموقوف عليه من له الاستغلال إذ لو كان المراد من له حق السكنى لما صح فجواز إجارتها لمن له الاستغلال فقط يدل على أنه ليس له السكنى إذ لا يستأجر الإنسان شيئا يستحقه وعبارة البزازية هكذا ولا يملك المصرف السكنى في دار أو حانوت وقفت عليهم بدليل ما ذكره أبو جعفر أن إجارته من المصرف يجوز ومعلوم أن استئجار دار له السكنى لا يجوز فجوازها دل على ما ذكرنا ا هـ .

وقوله له السكنى أل فيه بدل عن الضمير المضاف إليه أي له سكناها هذا وقد ذكر في البزازية عقب ما قدمناه ما نصه وفي النوازل وقف عليه غلة دار ليس له السكنى وإن وقف عليه للسكنى لم يكن له الاستغلال . ا هـ .

وهذا هو الموافق لما نقله المؤلف أولا ووقع في رسالة الشرنبلالي بدون ليس فقال عازيا إلى البزازية وقف عليه غلة دار له السكنى وجعله من جملة ما استدل به على ما قدمناه عنه بناء على أن ما في النوازل ذكره البزازي بعدما قدمه عن أبي جعفر إظهارا لمخالفته وعلى ما علمته ليس فيه مخالفة له تأمل ( قوله وظاهره أنه يجبر على عمارتها ) قال في النهر الظاهر أنه لا يجبر وسيأتي قريبا ما يؤيده ثم قال بعده قال في الهداية ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه صاحب البذر في المزارعة ولا يكون امتناعه رضا منه ببطلان حقه لأنه في حيز التردد . ا هـ .

وأنت خبير بأن هذا بإطلاقه يشمل ما لو شرط الواقف عليه [ ص: 236 ] المرمة لأنها حيث كانت عليه كان في إجباره إتلاف ماله وبهذا اتضح ما مر ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية