البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : والنجس المرئي يطهر بزوال عينه إلا ما يشق ) أي يطهر محله بزوال عينه ; لأن تنجس المحل باعتبار العين فيزول بزوالها والمراد بالمرئي ما يكون مرئيا بعد الجفاف كالدم والعذرة وما ليس بمرئي هو ما لا يكون مرئيا بعد الجفاف كالبول كذا في غاية البيان وهو معنى ما فرق به في الذخيرة بأن المرئية هي التي لها جرم وغير المرئية هي التي لا جرم لها وأطلقه فشمل ما إذا زالت العين بمرة واحدة فإنه يكتفي بها وهذا هو الظاهر وفيه اختلاف المشايخ وأفاد أنها لو لم تزل بالثلاث فإنه يزيد عليها إلى أن تزول العين ، وإنما قال يطهر بزوال عينه ولم يقل بغسله ليشمل ما يطهر من غير غسل مما قدمه من طهارة الخف بالدلك والمني بالفرك والسيف بالمسح والأرض باليبس ففي [ ص: 249 ] هذا كله لا يحتاج إلى الغسل بل يكفي في ذلك زوال العين من غير غسل ، كذا في السراج الوهاج والمراد بقوله إلا ما شق استثناء ما شق إزالته من أثر النجاسة لا من عينها ولهذا قال في النهاية : ثم الذي وقع منه الاستثناء غير مذكور لفظا ; لأن استثناء الأثر من العين لا يصح ; لأنه ليس من جنسه فكان تقديره فطهارته زوال عينه وأثره إلا أن يبقى من أثره وحذف المستثنى منه في المثبت جائز إذا استقام المعنى كقولك قرأت إلا يوم كذا . ا هـ .

وفي العناية أنه استثناء العرض من العين فيكون منقطعا . ا هـ .

فقد أفاد صحته من غير هذا التقدير ; لأن الاستثناء المنقطع صحيح عند أهل العربية كالمتصل ومنهم من رجعه إلى المتصل بالتقدير ولعل صاحب النهاية مائل إليه والمراد بالأثر اللون والريح ، فإن شق إزالتهما سقطت وتفسير المشقة أن يحتاج في إزالته إلى استعمال غير الماء كالصابون والأشنان أو الماء المغلي بالنار كذا في السراج ، وظاهر ما في غاية البيان أنه يعفى عن الرائحة بعد زوال العين مطلقا ، وأما اللون ، فإن شق إزالته يعفى أيضا وإلا فلا وفي فتح القدير ، وقد يشكل على الحكم المذكور وهو أن بقاء الأثر الشاق لا يضر ما في التجنيس حب فيه خمر غسل ثلاثا يطهر إذا لم يبق فيه رائحة الخمر ; لأنه لم يبق فيه أثرها ، فإن بقيت رائحتها لا يجوز أن يجعل فيه من المائعات سوى الخل ; لأنه بجعله فيه يطهر ، وإن لم يغسل ; لأن ما فيه من الخمر يتخلل بالخل إلا أن آخر كلامه أفاد أن بقاء رائحتها فيه بقيام بعض أجزائها وعلى هذا قد يقال في كل ما فيه رائحة كذلك وفي الخلاصة الكوز إذا كان فيه خمر تطهيره أن يجعل فيه الماء ثلاث مرات كل مرة ساعة ، وإن كان جديدا عند أبي يوسف يطهر وعند محمد لا يطهر أبدا . ا هـ .

من غير تفصيل بين بقاء الرائحة أو لا والتفصيل أحوط . ا هـ .

ما في فتح القدير وفي فتاوى قاضي خان المرأة إذا اختضبت بحناء نجس فغسلت ذلك الموضع ثلاثا بماء طاهر يطهر ; لأنها أتت بما في وسعها وينبغي أن لا يكون طاهرا ما دام يخرج منه الماء الملون بلون الحناء . ا هـ .

وظاهره أن المذهب ، وإن لم ينقطع اللون وظاهر ما في فتح القدير أن ما ذكره بصيغة ينبغي هو المذهب فإنه قال قالوا لو صبغ ثوبه أو يده بصبغ أو حناء نجسين فغسل إلى أن صفا الماء يطهر مع قيام اللون وقيل يغسل بعد ذلك ثلاثا . ا هـ .

وفي المجتبى غسل يده من دهن نجس طهرت ولا يضر أثر الدهن على الأصح تنجس ، العسل يلقى في قدر ويصب عليه الماء ويغلى حتى يعود إلى مقداره الأول هكذا ثلاثا قالوا وعلى هذا الدبس . ا هـ .

وأطلق الأثر الشاق فشمل ما إذا كان كثيرا فإنه معفو عنه كما في الكافي .


( قول المصنف يطهر بزوال عينه إلخ ) ويطهر البدن بغسله والثوب بغسله ثلاثا بمياه طاهرة وعصره في كل مرة وكذا تطهيره في الإجانة والمياه الثلاثة نجسة وقيل في النجاسة المرئية يكفي زوالها بمرة ، واعلم أن النجاسة المرئية على قسمين مرئية كالعذرة والدم وغير مرئية كالبول . فأما المرئية فطهارة محلها زوال عينها ; لأن تنجس المحل باعتبار العين فيزول بزوالها ولو بمرة كما جزم به في الكنز واعتمده الزيلعي وقيل لا يطهر ما لم يغسله ثلاثا بعد زوال العين لأنه بعد زوال العين التحق بنجاسة غير مرئية غسلت مرة . ا هـ .

قال في الخلاصة : إنه خلاف ظاهر الرواية وهذا هو الذي اعتمده المصنف كما تعطيه عبارته ; لأنه حكى ما جزم به صاحب الكنز وغيره بصيغة قيل ، وأما غير المرئية فطهارة محلها غسلها ثلاثا والعصر كل مرة والمعتبر فيه غلبة الظن ، وإنما قدروه بالثلاث ; لأن غلبة الظن تحصل عندها غالبا وفي شرح الدرر شرط المبالغة في المرة الثالثة بحيث لو عصره بقدر طاقته لا يسيل منه الماء ولو لم يبالغ فيه صيانة للثوب لا يطهر . ا هـ .

ومثله في شرح المجمع ناقلا عن الخانية وقوله وكذا تطهيره في الإجانة يحتمل أن يكون الضمير في تطهيره راجعا إلى الثوب وهذا متفق عليه بين الإمامين ويحتمل أن يعود إلى المتنجس المفهوم من السياق الشامل للبدن والثوب أو للبدن ، ويكون المصنف اعتمد في ذلك قول محمد والإمام معه كما في التقريب والبدائع خلافا للإمام الثاني فإنه يشترط الصب لطهارة العضو فلو غسل العضو في ثلاث إجانات بكسر الهمزة وتشديد الجيم جمع إجانة أي ظروف أو في إجانة واحدة بتجديد الماء لا يطهر عنده بخلاف الثوب لجريان العادة بغسل الثياب في [ ص: 249 ] الإجانات ولو لم يطهر لضاق على الناس . والعضو ليس كذلك فيشترط فيه الصب وألحقه محمد بالثوب فإذا غسل طهر العضو والثوب ويخرجان من الإجانة الثالثة طاهرين وما بعد ذلك طاهر وطهور في الثوب وطاهر غير طهور في العضو لعدم ملاقاة النجاسة وعدم التقرب في الثوب ولإقامة القربة في العضو من شرح الغزي على زاد الفقير لابن الهمام .

( قوله : وقد يشكل على الحكم المذكور إلخ ) أقول : الظاهر - والله تعالى أعلم - أن ما في التجنيس مبني على التفرقة بين ما ينعصر وبين ما لا ينعصر حيث لا يغتفر في الثاني بقاء الأثر وإن كان يشق كما سيأتي وعليه فلا إشكال ( قوله : أفاد أن بقاء رائحتها فيه بقيام بعض أجزائها ) هذا يفيد أن استثناء الأثر من العين في كلام المصنف استثناء متصل وعليه فلا حاجة إلى ما تكلفوا به تأمل . ( قوله : وظاهر ما في فتح القدير إلخ ) قال في النهر عبارة الخانية تؤذن بأن ما جزم به في فتح القدير بحث لقاضي خان وأن المذهب الأول . ا هـ .

ولكن يبعده تعبير صاحب الفتح بقوله قالوا فليتأمل ( قوله تنجس العسل إلخ ) لم يذكر مقدار ما يصب عليه من الماء وظاهره عدم التقدير لكن في القهستاني ما نصه وجدت بخط بعض الثقات من أهل الإفتاء أن المنوين كافيان لعشرة أمناء ; لأن في بعض الروايات قدرا من الماء وهذا كله عند الشيخين ، وأما عنده فلا يطهر أبدا ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية