البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وكفت رؤية وجه الصبرة والرقيق والدابة وكلفها وظاهر الثوب المطوي وداخل الدار ) لأن الأصل فيه أن رؤية جميع المبيع غير مشروطة لتعذره فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود فرؤية وجه الصبرة معرفة للبقية لكونه مكيلا يعرض بالنموذج وهو المكيلات والموزونات فيكتفي برؤية بعضه إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى فحينئذ يكون له الخيار أي خيار العيب لا خيار الرؤية كما في الينابيع .

وظاهر ما في الكافي أنه خيار رؤية والتحقيق أنه في بعض الصور خيار عيب وهو ما إذا كان اختلاف الباقي يوصله إلى حد العيب وخيار رؤية إذا كان الاختلاف لا يوصله إلى اسم العيب بل الدون وقد يجتمعان فيما إذا اشترى لم يره فلم يقبضه حتى ذكر البائع به عيبا ثم أراه المبيع في الحال كذا في فتح القدير بخلاف ما إذا كانت آحاده متفاوتة كالثياب والدواب فلا بد من رؤية كل واحد [ ص: 32 ] والجوز والبيض مما يتفاوت آحاده فيما ذكر الكرخي قال في الهداية وينبغي أن يكون مثل الحنطة والشعير لكونها متقاربة وصرح به في المحيط وفي المجرد وهو الأصح ثم السقوط برؤية البعض في المكيل إذا كان في وعاء واحد أما إذا كان في وعاءين أو أكثر اختلفوا فمشايخ العراق على أن رؤية أحدهما كرؤية الكل ومشايخ بلخ لا يكفي بل لا بد من رؤية كل وعاء .

والصحيح أنه يبطل برؤية البعض لأنه يعرف الباقي هذا إذا ظهر له أن ما في الوعاء الآخر مثله أو أجود أما إذا كان أردأ فهو على خياره وأما إذا كان متفاوت الآحاد كالبطيخ والرمان فلا تكفي رؤية البعض في سقوط خياره ولو قال رضيت وأسقطت خياري وفي شراء الرحا لا بد من رؤية الكل وكذا السراج بأداته ولبده لا بد من رؤية الكل كذا في فتح القدير وإنما ذكر الرقيق ولم يذكر الجارية ليشمل العبد كما في المعراج من أن المعتبر فيهما النظر إلى الوجه ولا اعتبار برؤية ما عداه من الأعضاء ولا يشترط رؤية الكفين واللسان والأسنان والشعر عندنا وعن الشافعي اشتراطه .

وفي المصباح الأنموذج بضم الهمزة ما يدل على صفة الشيء وهو معرب وفي لغة نموذج بفتح النون والذال معجمة مفتوحة مطلقا وقال الصغاني النموذج مثال الشيء الذي يعمل عليه وهو تعريب نموذه وقال الصواب النموذج لأنه لا تغيير فيه بزيادة . ا هـ .

وقوله والدابة بالجر عطف على الصبرة أي وكفت رؤية وجه الدابة وكفلها لأنه هو المقصود وظاهره أنه لا يشترط رؤية القوائم وهو المروي عن أبي يوسف وهو الصحيح كذا في المعراج وقيل يشترط وخص من إطلاق الدابة الشاة فلا بد من الجس في شاة اللحم لكونه هو المقصود وفي شاة القنية لا بد من رؤية الضرع وشاة القنية هي التي تحبس في البيوت لأجل النتاج اقتنيته اتخذته لنفسي قنية أي أخذ المال للنسل لا للتجارة وفي المجتبى معزيا إلى المحيط عن أبي حنيفة في البرذون والحمار والبغل يكفي أن يرى شيئا منه إلا الحافر والذنب والناصية كذا في المعراج وفي الظهيرية وفي شاة القنية لا بد من النظر إلى ضرعها وسائر جسدها ا هـ .

فليحفظ فإن في بعض العبارات ما يوهم الاقتصار على رؤية ضرعها والكفل بفتحتين العجز كذا في المصباح وأما الثوب فاكتفى المصنف برؤية ظاهره مطويا لأن البادئ يعرف ما في الطي فلو شرط فتحه لتضرر البائع بتكسره ونقصان قيمته وبذلك ينقص ثمنه عليه إلا أن يكون له وجهان فلا بد من رؤية كليهما أو يكون في طيه ما يقصد بالرؤية كالعلم ثم قيل هذا في عرفهم أما في عرفنا فما لم ير الباطن لا يسقط خياره لأنه استقر اختلاف الباطن والظاهر في الثياب وهو قول زفر وفي المبسوط الجواب على ما قال زفر وفي الظهيرية رؤية الظهارة تكفي إلا أن تكون البطانة مقصودة بأن كانت بسمور أو نحوه فتعتبر رؤيته ا هـ .

وأما الدار فظاهر الرواية أنه إذا رأى خارجها أو رأى أشجار البستان من خارج فإنه يكتفي به وعند زفر لا بد من دخول داخل البيوت والأصح أن جواب الكتاب على وفاق عادتهم في الأبنية فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ فأما اليوم فلا بد من الدخول داخل الدار للتفاوت فالنظر إلى ظاهر لا يوقع العلم بالداخل وفي جامع الفصولين وبه يفتى فالحاصل أن المؤلف رحمه الله تعالى اختار قول زفر في الدار وكان ينبغي له اختياره في الثوب فإن المختار قوله فيهما وشرط بعضهم رؤية العلو والمطبخ والمزبلة وهو الأظهر والأشبه كما قال الشافعي وهو المعتبر في ديار مصر والشام ولم يذكر المصنف بقية أنواع المبيعات ولا بد من ذكرها قالوا لا بد في البستان من رؤية ظاهره وباطنه وفي الكرم لا بد من رؤية عنب الكرم من كل نوع شيئا وفي الرمان لا بد من رؤية الحلو والحامض ولو اشترى دهنا في زجاجة فرؤيته من خارج الزجاجة لا تكفي حتى يصبه في كفه عند أبي حنيفة لأنه لم ير الدهن حقيقة لوجود الحائل وفي التحفة [ ص: 33 ] لو نظر في المرآة فرأى المبيع قالوا لا يسقط خياره لأنه ما رأى عينه بل رأى مثاله ولو اشترى سمكا في ماء يمكن أخذه من غير اصطياد فرآه في الماء قال بعضهم يسقط خياره لأنه رأى عين المبيع وقال بعضهم لا يسقط وهو الصحيح لأن المبيع لا يرى في الماء على حاله بل يرى أكبر مما كان فهذه الرؤية لا تعرف المبيع وإن كان المبيع مما يطعم فلا بد من الذوق لأنه المعرف المقصود وإن كان مما يشم فلا بد من شمه كالمسك وفي الولوالجية اشترى نافجة مسك فأخرج المسك منها ليس له الرد بخيار الرؤية ولا بخيار العيب لأن الإخراج يدخل عليه عيبا ظاهرا حتى لو لم يدخل كان له أن يرد بخيار العيب والرؤية جميعا ا هـ .

وفي جامع الفصولين اشترى دارا واستثنى منه بيتا معينا لا بد من رؤية المستثنى فكما يشترط رؤية المبيع لسقوط الخيار يشترط رؤية المستثنى لأن جهالة وصف المستثنى توجب جهالة في المستثنى منه . ا هـ .

وقدمنا عن الخانية حكم ما إذا اشترى مغيبا في الأرض وفي الظهيرية وفي الثمار على رءوس الأشجار يعتبر رؤية جميعها بخلاف الموضوعة على الأرض وفي تراب المعدن وتراب الصواغين يعتبر رؤية ما يخرج منه ورؤية أحد المصراعين أو أحد الخفين أو أحد النعلين لا يكفي ولا يكفي أن يرى ظاهر الطنفسة ما لم ير وجها وموضع الشيء منها وما كان له وجهان مختلفان تعتبر رؤيتهما ا هـ .

وفي المعراج وفي البساط لا بد من رؤية جميعه ولو نظر إلى ظهور المكاعب لا يبطل خياره ولو نظر إلى وجهها دون الصرم يبطل قلت : وينبغي أن يشترط رؤية الصرم في زماننا لتفاوته وكونه مقصودا وفي الوسادة المحشوة لو رأى ظاهرها فإن كانت محشوة مما يحشى مثلها يبطل خياره وإن كان مما لا يحشى مثلها فله الخيار . ا هـ .

وفي المحيط الأصل أن غير المرئي إن كان تبعا للمرئي فلا خيار له في غير المرئي وإن كان غير المرئي أصلا فإن كان رؤية ما رأى لم تعرفه حال رؤيته بقي خياره وإن كانت تعرفه بطل ا هـ .


( قوله وظاهر ما في الكافي أنه خيار رؤية ) حيث علله بأنه إنما رضي بالصفة التي رآها لا بغيرها ( قوله والتحقيق أنه في بعض الصور خيار عيب إلخ ) قال في النهر وعندي أن ما في الكافي هو التحقيق وذلك أن هذه الرؤية إذا لم تكن كافية فما الذي أسقط خيار رؤيته حتى انتقل منه [ ص: 32 ] إلى خيار العيب فتدبره ( قوله فليحفظ فإن في بعض العبارات إلخ ) قال في النهر وأقول : الظاهر أنه لو اقتصر على رؤية الضرع كفاه كما جزم به غير واحد [ ص: 33 ] ( قوله دون الصرم ) الصرم الجلد قاموس .

التالي السابق


الخدمات العلمية