البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وشعر الخنزير ) أي لم يجز بيعه إهانة له لكونه نجس العين كأصله فالبيع هنا لو جاز لكان إكراما ، وفي الخمر والخنزير كذلك لو جاز لكان إعزازا ، وقد أمرنا بالإهانة ، وفي لبن المرأة لو جاز لكان إهانة لها ، وقد أمرنا بإعزاز الآدمي فالفعل الواحد ، وهو البيع هنا يجوز أن يكون إعزازا بالنسبة إلى محل ، وإهانة بالنسبة إلى آخر مثلا إذا أمر السلطان بعض الغلمان بالوقوف عند الفرس بحضرته كان إعزازا له ، ولو أمر القاضي بذلك لكان إهانة له ، وحاصله أن جواز بيع المهان إعزاز له ، وجواز بيع المكرم إهانة له ( قوله وينتفع به ) أي يجوزالانتفاع بشعر الخنزير دفعا لما يتوهم من منع بيعه ، ولكنه مقيد بالخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه ، ويوجد مباحا فلا حاجة إلى القول بجواز بيعه وشرائه حتى لو لم يوجد لم يكره شراؤه للأساكفة للحاجة ، وكره بيعه لعدمها كما أفتى به الفقيه أبو الليث ، وظاهر كلامهم منع الانتفاع به عند عدم الضرورة بأن أمكن الخرز بغيره ، ولذا قيل لا ضرورة إلى الخرز به لإمكانه بغيره ، وكان ابن سيرين لا يلبس خفا خرز بشعر الخنزير فعلى هذا لا يجوز بيعه ، ولا الانتفاع به ، ولذا روي عن أبي يوسف كراهة الانتفاع به إلا أن يقال إن إمكان الخرز بغيره ، وإن وقع لفرد بسبب تحمله مشقة في خاصة نفسه لا يجوز أن يلزم العموم حرجا مثله ، وحيث كان جواز الانتفاع به للضرورة [ ص: 88 ] والأصل أن ما ثبت للضرورة يتقدر بقدرها أفتى الإمام أبو يوسف بنجاسته فينجس الماء القليل إذا وقع فيه وطهره محمد لأن جواز الانتفاع به دليلها ، والصحيح قول أبي يوسف لما قدمناه ، وما ذكر في بعض المواضع من جواز صلاة الخرازين مع شعر الخنزير ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم فهو مخرج على قول محمد بطهارته ، وأما على قول أبي يوسف فلا ، وهو الوجه لأن الضرورة لم تدعهم إلى أن يعلق بهم بحيث لا يقدرون على الامتناع عنه ، ويجتمع على ثيابهم هذا المقدار .


( قوله ولكنه مقيد بالخرز للضرورة ) هذا بناء على قول أبي يوسف بنجاسته أما على قول محمد الآتي من أنه طاهر فلا يتقيد الانتفاع به بالخرز ، ولا بالضرورة قال الزيلعي [ ص: 88 ] في تعليل عدم إفساده الماء إذا وقع فيه لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته . ا هـ .

وهذا يقتضي جواز بيعه عند محمد أيضا ، ولذا قال في النهر ، وينبغي أن يطيب للبائع الثمن على قول محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية