البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قوله ( ما أمكن ضبط صفته ومعرفة قدره صح السلم فيه ) ; لأنه لا يفضي إلى المنازعة وفي القنية السلم في العنب القلابي في وقت كونه حصر ما لا يصح والسلم في التفاح الشامي قبل الإدراك يصح ; لأنه يسمى تفاحا . ا هـ .

وفي فروق الكرابيسي بيع السلم يفارق بيع العين في ستة أشياء خيار الرؤية وخيار الشرط ولو تفرقا يبطل وفي إضافة السلم إلى الدراهم وجعل الخبطة رأس المال على المختار وفي الأجل قوله ( وما لا فلا ) أي وما لا يمكن ضبط صفته ومعرفة قدره لا يصح السلم فيه ; لأنه يفضي إلى المنازعة ثم شرع يبين الفصلين بالفاء التفصيلية بقوله ( فيصح في المكيل كالبر والشعير والموزون المثمن كالعسل والزيت ) وفي الفروق السلم في الخبز وزنا يجوز . ا هـ .

وفي القنية برقم ( مع عك ) أسلم زبيبا في كر حنطة لا يجوز وبرقم ( حم عك ) يجوز فأبو الفضل يجعل الزبيب كيليا وهما جعلاه وزنيا والثوم والبصل يجوز السلم فيه وزنا لا عددا واللبن والعصير والخل يجوز كيلا أو وزنا ولا خير في السلم في الأواني المتخذة من الزجاج وفي المكسور ويجوز وزنا ، كذا في البزازية وفي الظهيرية ويجوز السلم في الدقيق كيلا ووزنا ولو أسلم فلوسا في صفر أو سيفا في حديد أو قصبا في بوار لا يجوز بخلاف ما لو أسلم قطنا في ثوب حيث يجوز . ا هـ .

وفيها ولو أسلم في اللبن كيلا أو وزنا جاز لأنه ليس بمكيل ولا موزون نصا فيجوز كيفما كان وشرط في الذخيرة رواج الفلوس ، أما إذا كانت كاسدة فإنه لا يجوز ; لأنه إسلام موزون في موزون وقيد المثمن احترازا عن الدراهم والدنانير فإنها وإن كانت موزونة لكنها ثمن فلا يجوز الإسلام فيها ; لأن السلم تعجيل الثمن وتأجيل المبيع ولو جاز فيها انعكس ، فإذا لم يقع سلما يكون باطلا عند عيسى بن أبان ، وقال الأعمش بكون بيعا بثمن مؤجل اعتبارا للمعنى والأول أصح لأنه لا يمكن تصحيحه في غير ما أوجبا العقد فيه ورجح قول الأعمش في فتح القدير بأنه أدخل في الفقه وهذا الخلاف فيما إذا أسلم فيهما غير الأثمان كالحنطة ، وأما إذا أسلم فيهما الأثمان لم يجز إجماعا ولو أسلم في المكيل وزنا كما إذا أسلم في البر والشعير بالميزان فيه روايتان والمعتمد الجواز لوجود الضبط ، وعلى هذا الخلاف لو أسلم في الموزون كيلا .


( قوله ولا خير في السلم في الأواني إلخ ) أي لا يجوز بل نفي الخيرية أدل على نفي الجواز قاله بعض الشراح . ( قوله : ورجح قول الأعمش في فتح القدير إلخ ) اعترضه في النهر بأنه لا يتم إلا بالتزام أن الأعمش قائل بانعقاد البيع بلفظ السلم وإلا فيجوز أن يكون قائلا بمقابل الأصح من أنه لا يجوز وحينئذ فلا يتم المطلوب واعترضه أيضا بأن صاحب الثوب وإن أعطاه له بدراهم مؤجلة لكن على أنها مبيعة لا على أنها ثمن ليلزم أن يكون من أفراد البيع وذكر باقي شروط السلم قرينة على إرادة هذا المعنى فتأمل . ا هـ .

وأنت خبير بأن كلا من الاعتراضين ساقط أما الأول فلأن فرض المسألة أنه أسلم ثوبا مثلا في دراهم وقد قال أبو بكر الأعمش أنه ينعقد بيعا لا سلما فهذا صريح بأنه يقول إن البيع ينعقد بلفظ السلم وقد ذكر في النهر قبل هذا أن صاحب القنية لم يحك خلافا في انعقاده بلفظ السلم ، وأما الثاني فلأن صاحب الفتح معترف بأن العقد عقد سلم ولكنه اختل بعض شروطه على أنه سلم ووجد اللفظ الذي ينعقد به البيع فيصير العقد عقد بيع لأن كلا من السلم والبيع يشتركان في كونهما مبادلة مال بمال وقد قصده المتعاقدان ولا مانع شرعا من كون هذه المبادلة المقصودة إذا لم تصح على صفة خاصة قصدها المتعاقدان أن تصح على صفة أخرى ، كما إذا قصدا عقد الشركة على صفة كونها مفاوضة وفقد بعض شروطها فإنها تصير شركة عنان وإن لم يقصدا هذه الصفة ولذلك نظائر كثيرة كما لو وهب للفقير أو تصدق على غني يكون الأول صدقة والثاني هبة وكما لو أقام غيره وصيا في حياته أو وكيلا بعد [ ص: 170 ] وفاته يكون الأول وكيلا والثاني وصيا ، وكما لو اشترى أمة تعدل ألف درهم مع طوق فضة قيمته ألف درهم ونقد من الثمن ألفا فهو ثمن الفضة سواء سكت أو قال خذ هذا من ثمنها تحريا للجواز كما سيأتي في الصرف ولا يخفى أن تحري الجواز في مسألتنا بالأولى لأنه لم يصرح فيها بخلاف الجائز وإن صرح فهي مثل مسألة الصرف فتأمل منصفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية