البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله أو يغني للناس ) ; لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة كذا في الهداية وظاهره أن الغناء كبيرة وإن لم يكن للناس بل لإسماع نفسه دفعا للوحشة وهو قول شيخ الإسلام فإنه قال بعموم المنع والإمام السرخسي إنما منع ما كان على سبيل اللهو ومنهم من جوزه للناس في عرس أو وليمة ومنهم من جوزه لإسماع نفسه دفعا للوحشة ومنهم من جوزه ليستقيد به نظم القوافي وفصاحة اللسان والعجب من المصنف في الكافي أنه علل بما علل به في الهداية وجوزه إذا كان لإسماع نفسه إزالة للوحشة وفي فتح القدير التغني المحرم هو ما كان في اللفظ ما لا يحل كصفة الذكر والمرأة المعينة الحية ووصف الخمر المهيج إليها والديريات والحانات والهجاء لمسلم أو ذمي إذا أراد المتكلم هجاءه لا إذا أراد إنشاء الشعر للاستشهاد به أو لتعلم فصاحة وبلاغة إلى أن قال وفي الأجناس سئل محمد بن شجاع عن الذي يترنم مع نفسه قال لا يقدح في شهادته ، وأما القراءة بالألحان فأباحها قوم وحظرها قوم والمختار إن كانت الألحان لا تخرج الحروف عن نظمها وقدوراتها فمباح وإلا فغير مباح كذا ذكر وقدمنا في باب الآذان ما يفيد أن التلحين لا يكون إلا مع تغيير مقتضيات الحروف فلا معنى لهذا التفصيل ا هـ .

وفي المعراج الملاهي نوعان محرم وهو الآلات المطربة من غير الغناء كالمزمار سواء كان من عود أو قصب كالشبابة أو غيره كالعود والطنبور لما روى أبو أمامة أنه عليه الصلاة والسلام قال { إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير } ولأنه مطرب مصد عن ذكر الله تعالى والنوع الثاني مباح وهو الدف في النكاح وفي معناه ما كان من حادث سرور ويكره في غيره لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما سمع صوت الدف بعث فنظر فإن كان في وليمة سكت وإن كان في غيره عمده بالدرة وهو مكروه للرجال على كل حال للتشبه بالنساء ا هـ .

ونقله في فتح القدير ولم يتعقبه ونقل البزازي في المناقب الإجماع على حرمة الغناء إذا كان على آلة كالعود ، وأما إذا كان بغيرها فقد علمت الاختلاف ولم يصرح الشارحون بالمذهب وفي البناية والعناية التغني للهو معصية في جميع الأديان قال في الزيادات إذا أوصى بما هو معصية عندنا وعند أهل الكتاب وذكر منها الوصية للمغنيين والمغنيات خصوصا إذا كان من المرأة ا هـ .

[ ص: 89 ] فقد ثبت نص المذهب على حرمته فانقطع الاختلاف وفي ضياء الحلوم الغناء على وزن فعال صوت المغني والغنى كثرة المال ا هـ . فالأول ممدود والثاني مقصور


[ ص: 88 ] ( قوله وظاهره أن الغناء كبيرة وإن لم يكن للناس ) ; لأنه جعل الغناء الذي جمع الناس عليه كبيرة ويمكن حمله على ما قاله السرخسي بأن يكون كبيرة بسبب الاجتماع عليه ويؤيده كلام المصنف في الكافي وهو المتبادر من لفظ يغني للناس وعلى ذلك حمله في العناية ويؤيده ما يأتي في الهامش عن ابن الكمال والعيني من أنه لو كان لنفسه ليزيل الوحشة عنها لا تسقط عدالته في الصحيح فهذا التصحيح موافق لهذا المتن كغيره من المتون فكان عليه المعول فلا تغفل [ ص: 89 ] ( قوله فقد ثبت نص المذهب على حرمته ) إن أراد أنه حرام مطلقا فهو مخالف لما حمله عليه في البناية والعناية فإنهما استدلا بعبارة الزيادات على أنه معصية لقصد اللهو فلم يجرياه على عمومه فهو موافق لما قاله الإمام السرخسي فكان محتملا لكل من القولين نعم ظاهره الإطلاق وقد يقال لفظة المغنين ظاهرة في أن المراد من اتخذه حرفة وعادة ثم رأيت في الفتح قال إن اسم مغنية ومغن إنما هو في العرف لمن كان الغناء حرفته التي يكتسب بها المال ألا ترى أنه إذا قيل ما حرفة فلان أو ما صناعته يقال مغن كما يقال خياط وحداد إلى آخر كلامه وفي إيضاح الإصلاح إنما قال يغني للناس أي يسمعهم ; لأنه لو كان لإسماع نفسه حتى يزيل الوحشة عن نفسه من غير ظن أن يسمع غيره لا بأس به ولا يسقط عدالته في الصحيح ا هـ .

وهكذا قال في شرح العيني ثم قال وإن أنشد شعرا فيه وعظ وحكمة فهو جائز بالاتفاق إلخ ونحوه ما مر عن الفتح من قوله المحرم هو ما كان إلخ فتدبر

التالي السابق


الخدمات العلمية