البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله ولو وكله بشراء عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى عشرين رطلا بدرهم مما يباع منه عشرة بدرهم لزم الموكل منه عشرة بنصف درهم ) وهذا عند أبي حنيفة وقال : لا يلزمه العشرون لأنه أمره بصرف الدرهم في اللحم وظن أن سعره عشرة أرطال فإذا اشترى به عشرين فقد زاده خيرا وصار كما إذا وكله ببيع عبده بألف فباعه بألفين ولأبي حنيفة أنه أمره بشراء عشرة ولم يأمره بشراء الزيادة فنفذ شراؤها عليه وشراء العشرة على الموكل بخلاف ما استشهدا به لأن الزيادة هناك بدل ملك الموكل فتكون له قيد بالزيادة الكثيرة لأن القليلة كعشرة أرطال ونصف رطل لازمة للآمر لأنها تدخل بين الوزنين فلا يتحقق حصول الزيادة كذا في غاية البيان وقيد بقوله مما يباع إلى آخره لأنه لو اشترى ما يساوي عشرين منه بدرهم صار مشتريا لنفسه إجماعا لأنه خلاف إلى شر لأن الأمر تناول السمين وهذا مهزول فلم يحصل مقصود الآمر وقيد بالموزونات لأن في القيميات لا ينفذ شيء على الموكل إجماعا فلو وكله بشراء ثوب هروي بعشرة فاشترى له ثوبين هرويين بعشرة مما يساوي كل واحد منهما عشرة لم يلزم الموكل لأن ثمن كل واحد منهما مجهول إذ لا يعرف إلا بالحزر بخلاف اللحم لأنه موزون مقدر فيقسم الثمن على أجزائه وفي البزازية أمره أن يشتري بعشرة دنانير فاشتراه بمائتي درهم وقيمة الدراهم مثل الدنانير لزم الموكل خلافا لزفر ومحمد ولو بعروض قيمتها مثل الدراهم لا يلزم الآمر إجماعا وفي الملتقط مسافر نزل خانا وأمر إنسانا أن يشتري له لحما بدرهم وإنما يباع هناك المطبوخ والمشوي فأيهما اشترى جاز .

( قوله ولو وكله بشراء بعينه لا يشتريه لنفسه ) أي لا يجوز له ذلك لأنه يؤدي إلى تغرير الآمر من حيث إنه اعتمد عليه ولأن فيه عزل نفسه ولا يملكه إلا بمحضر من الموكل كذا في الهداية والتعليل الأول يفيد عدم الجواز بمعنى عدم الحل ولذا فسرناه تبعا للمعراج وفسره الشارح بأنه لا يتصور شراؤه لنفسه وهو مناسب للتعليل الثاني ولو اشتراه ناويا أو متلفظا وقع للموكل ولو قال المؤلف ولو وكله بشراء شيء بعينه غير الموكل لا يشتريه لنفسه عند غيبته حيث لم يكن مخالفا لكان أولى وإنما قيدنا بغير الموكل للاحتراز عما إذا وكل العبد من يشتريه له من مولاه أو رجل وكل العبد بشرائه له من مولاه فاشترى فإنه لا يكون للآمر ما لم يصرح به للمولى أنه يشتريه فيهما للآمر مع أنه وكيل بشراء شيء بعينه لما سيأتي وقيدنا بغيبة الموكل حتى لو كان الموكل حاضرا أو صرح بأنه يشتريه لنفسه كان المشترى له لأن له أن يعزل نفسه بحضرة الموكل وليس له العزل من غير علمه وقيدنا بعدم المخالفة لما سيأتي في الكتاب .

وأشار المؤلف بقوله لنفسه إلى أنه لا يشتريه لموكل آخر بالأولى فلو اشتراه للثاني كان للأول إن لم يقبل وكالة الثاني بحضرة الأول وإلا فهو للثاني وإن كان الأول وكله بشرائه بألف والثاني بمائة دينار فاشتراه بمائة دينار فهو للثاني لأنه يملك شراءه لنفسه بمائة فيملك شراءه لغيره أيضا بخلاف الفصل الأول كذا في البزازية وقيد بالشراء لأنه لو وكله في تزويج معينة فللوكيل التزوج بها للمخالفة حيث أضافه إلى نفسه فانعزل وقيد بقوله لا يشتريه لأنه لو اشتراه وكيله وهو غائب كان الملك للوكيل الأول لانعزاله ضمن المخالفة وإن اشتراه بحضرته نفذ على الموكل الأول لأنه حضر رأيه [ ص: 159 ] وهو المقصود فلم يكن مخالفا وفي كافي الحاكم وإذا وكل رجل رجلا بشراء جارية بعينها فقال الوكيل : نعم فاشتراها لنفسه ووطئها فحبلت منه فإنه يدرأ عنه الحد وتكون الأمة وولدها للآمر ولا يثبت النسب ا هـ .

وفي القنية أمره بأن يشتري جارية بعينها بعشرة دراهم فاشتراها فقال الآمر : اشتريتها بعشرة وقال المأمور : اشتريتها لنفسي بخمسة عشر فالقول للوكيل والبينة بينته ا هـ .


( قوله ولأن فيه عزل نفسه ولا يملكه إلخ ) قال في الحواشي السعدية : وما سيجيء من أن العزل الحكمي لا يتوقف على العلم فلا تعلق له بما نحن فيه إذ المراد هناك أن العزل الحكمي من الموكل لا يتوقف على علم الوكيل ( قوله غير الموكل ) صفة لشيء لأن إضافتها لا تفيد تعريفا والموكل يجوز أن يقرأ بالفتح والكسر بدليل ما يأتي فلو قال غير الموكل والموكل لكان أوضح ( قوله لأن له أن يعزل نفسه بحضرة الموكل إلخ ) كذا في العيني والزيلعي وغيرهما كالعناية وغاية البيان وأورد عليهم أن العلم بالعزل في باب الوكالة يحصل بأسباب متعددة منها حضور صاحبه ومنها بعث الكتاب ووصوله إليه ومنها إرسال الرسول وتبليغ الرسالة ومنها إخبار واحد عدل أو اثنين غير عدلين بالإجماع أو إخبار واحد عدلا كان أو غيره عند أبي يوسف ومحمد وقد صرح بها في عامة المعتبرات سيما في البدائع واشتراط علم الآخر في فسخ أحد المتعاقدين العقد القائم بينهما لا يقتضي أن لا يملك الوكيل عزل نفسه إلا بمحضر من الموكل لأن انتفاء سبب واحد لا يستلزم انتفاء سائر الأسباب فلا يتم التقرير اللهم إلا أن يحمل وضع المسألة على انتفاء سائر أسباب العلم بالعزل أيضا لكنه غير ظاهر [ ص: 159 ] من عبارات الكتب أصلا قاضي زاده كذا في حاشية أبي السعود .

( قوله فقال الوكيل : نعم ) قال الرملي : يستفاد منه أنه لو لم يقلها لم يكن كذلك وهو ظاهر فإذا لم يقلها واشترى وقع له والله تعالى أعلم وسيأتي قريبا عن البزازية اشتر لي جارية فلان فسكت وذهب واشتراها إن قال : اشتريتها لي فله وإن قال للموكل فله وإن أطلق ولم يضف ثم قال كان لك إن قائمة ولم يحدث بها عيب صدق وإن هالكة أو حدث بها عيب لا يصدق ا هـ .

وفي الأشباه والنظائر سكوت الوكيل قبول ويرتد برده ا هـ .

وقدم هذا الشارح في أول الوكالة أن ركنها ما دل عليها من الإيجاب والقبول ولو حكما ليدخل السكوت والشارح فهم من عبارة البزازي كما سيذكره أن الجارية لم تتعين بالإضافة إلى المالك فيه والذي يلوح لي أن فرع البزازية في المعينة أيضا ويفرق بين السكوت وبين التصريح بالقبول أخذا من تقييده في كافي الحاكم بقوله فقال الوكيل : نعم وتقييده في البزازية بقوله فسكت وإلا لا يكون في ذكره ذلك فائدة وعليك أن تتأمل ا هـ .

قلت : وقد ذكر عبارة البزازية في التتارخانية نقلا عن شركة العيون وأبدل قول البزازية فسكت بقوله ولم يقل المأمور نعم ولم يقل لا ثم قال في آخرها هذا كله رواية الحسن عن أبي حنيفة وربما يستفاد منه أن في المسألة رواية أخرى تأمل ثم معنى قوله ويفرق بين السكوت وبين التصريح بالقبول أنه إن سكت فعلى التفصيل المذكور في البزازية وإن صرح فهي للمأمور لأنه إن سكت لم تصح الوكالة لمنافاته لما في البزازية وهو ظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية