البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله ولو شرع بالتسبيح أو بالتهليل أو بالفارسية صح ) شروع في المراد بتكبيرة الافتتاح فأفاد أن المراد بها كل لفظ هو ثناء خالص دال على التعظيم ، وقال أبو يوسف لا يصير شارعا إلا بألفاظ مشتقة من التكبير وهي خمسة ألفاظ : الله أكبر الله الأكبر الله الكبير الله كبير الله الكبار كما في الخلاصة إلا إذا كان لا يحسن التكبير أو لا يعلم أن الشروع في الصلاة يكون به للحديث { وتحريمها التكبير } وهو حاصل بهذه الألفاظ ; لأن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء ، ولهما أن التكبير لغة : التعظيم وهذه الألفاظ موضوعة له خصوصا الله أعظم فكانت تكبيرا ، وإن لم تكن بلفظ التكبير المعروف ، وفي البدائع والدليل على أن قول الله أكبر ، والرحمن أكبر سواء قوله تعالى { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } ، ولهذا يجوز الذبح باسم الرحمن أو باسم الرحيم فكذا هذا ، ثم غاية ما هنا أن الثابت بالنص ذكر الله تعالى على سبيل التعظيم ولفظ التكبير ثبت بالخبر فيجب العمل به حتى يكره افتتاح الصلاة بغيره لمن يحسنه كما قلنا في قراءة القرآن مع الفاتحة ، وفي الركوع والسجود مع التعديل ذكره في الكافي وهذا يفيد الوجوب ، وهو الأشبه للمواظبة التي لم تقترن بترك ، فعلى هذا ما ذكره في التحفة والذخيرة و النهاية من أن الأصح أنه يكره الافتتاح بغير الله أكبر عند أبي حنيفة فالمراد كراهة التحريم ; لأنها في رتبة الواجب من جهة الترك فعلى هذا يضعف ما صححه السرخسي من أن الأصح أنه لا يكره مستدلا بما روي عن مجاهد قال : كان الأنبياء يفتتحون الصلاة بلا إله إلا الله ، ونبينا من جملتهم وهذا على تقدير صحته فالمراد غير نبينا صلى الله عليه وسلم بدليل نقل المواظبة عنه على لفظ التكبير ويضعف أيضا ما ذكره المصنف في المستصفى من أن مراعاة لفظ التكبير في الافتتاح واجبة في صلاة العيد بخلاف سائر الصلوات لما علمت أنها واجبة في الكل

والظاهر أنه مبني على تصحيح السرخسي بدليل ما ذكره هو في الكافي وأراد المصنف بالتسبيح والتهليل ما ذكرنا من اللفظ الدال على التعظيم لا خصوص سبحان الله والحمد لله فأفاد بإطلاقه أنه لا فرق بين الأسماء الخاصة أو المشتركة حتى يصير شارعا ب " الرحيم أكبر " أو " أجل " كما نص عليه في المحيط والبدائع والخلاصة وصرح في المجتبى بأنه الأصح وأفتى به المرغيناني فما في الذخيرة عن فتاوى الفضلي أنه لا يصير شارعا بالرحيم ضعيف وقيده في شرح المنية بأن لا يقترن به ما يفسد الصلاة [ ص: 324 ] أما إذا قرن به ما كان كذلك فلا يصير شارعا اتفاقا كقوله العالم بالمعدوم والموجود أو بأحوال الخلق كما أن القول بأنه لا يجوز بكل اسم مشترك مقيد بما إذا لم يقترن بما يزيل اشتراكه .

أما إذا قرن بما يزيله لا يفسد الصلاة كقوله القادر على كل شيء والرحيم بعباده وعالم الغيب والشهادة ، فينبغي أن يصير شارعا باتفاقهم على قولهم ا هـ .

وأشار بذكر التسبيح والتهليل إلى أنه لا يصير شارعا إلا بجملة تامة فلا يصير شارعا بالمبتدأ وحده كالله أو أكبر ، وهو ظاهر الرواية كما نقله في التجريد وعلل له بأن التعظيم الذي هو معنى التكبير حكم على المعظم فلا بد من الخبر ومنهم من قال : يصير شارعا بكل اسم مفرد أو خبر لا فرق بين الجلالة وغيرها ، وهو رواية الحسن وفرق قاضي خان في فتاويه بين الألفاظ ، فقال : لو قال الله أو الرب ولم يزد يصير شارعا ، ولو قال التكبير أو الأكبر أو قال أكبر لا يصير شارعا قال في فتح القدير كان الفرق الاختصاص في الإطلاق وعدمه ، وفائدة الاختلاف تظهر في مسائل ، منها : أن الحائض إذا طهرت على عشر ، وفي الوقت ما يسع الاسم الشريف فقط لا تجب تلك الصلاة عليها على ظاهر الرواية وتجب على تلك الرواية ، ومنها : أنه ينبغي فيما إذا أدرك الإمام في الركوع فقال : الله أكبر إلا أن قول الله كان في قيامه ، وقوله أكبر كان في ركوعه أنه يكون شارعا على رواية الحسن لا على الظاهر لكن الذي في الخانية والخلاصة أنه لا يكون شارعا ولم يحكيا غيره فكأنهما بنياه على القول المختار

ومنها : ما لو وقع الله مع الإمام وأكبر قبله لا يكون شارعا على الظاهر ، وأما إذا شرع بالفارسية فإنما يصح لما بيناه من أن التكبير هو التعظيم ، وهو حاصل بأي لسان ولأن الأصل في النصوص التعليل فلا يعدل عنه إلا بدليل فهو كالإيمان فإنه لو آمن بغير العربية جاز إجماعا لحصول المقصود ، وكذا التلبية في الحج والسلام والتسمية عند الذبح بها يجوز كما سيأتي ومحمد مع أبي حنيفة في العربية حتى يصير شارعا بغير لفظ التكبير من العربية حيث دل على التعظيم ومع أبي يوسف في الفارسية حتى لا يكون شارعا في الصلاة بها حيث كان يحسن العربية وعلى هذا الخلاف الخطبة والقنوت والتشهد ، وفي الأذان يعتبر التعارف .


( قوله شروع في المراد بتكبيرة الافتتاح ) ظاهره أن ذلك هو المراد من قول المصنف كبر والظاهر خلافه وإلا لأتى بالفاء ، وقال : فلو شرع ، بل مراده بالتكبير ظاهره لأنه الواجب على من أراد الشروع وقوله : ولو شرع بيان لصحة الشروع بغيره فيحمل كلامه على أن المراد ذلك من الحديث لا من كلام المصنف ( قوله ثم غاية ما هنا إلخ ) النص هو قوله { وذكر اسم ربه فصلى } والذكر يشمل التكبير وغيره ولفظ التكبير ثبت بالحديث المار ، وهو مع المواظبة عليه يفيد الوجوب لا الفرضية لئلا يلزم الزيادة على النص ، فإن قلت : قد سبق أنهما حملا التكبير على التعظيم فكيف يقال إن لفظ التكبير ثبت بالخبر ؟ قلت : الظاهر أنه مبني على المعنى الاصطلاحي أو على تعيين ذلك بالمواظبة .

[ ص: 324 ] ( قوله لا تجب تلك الصلاة عليها ) قال في النهر لكن في عقد الفوائد الفتوى على الوجوب ( قوله قبله ) أي قبل فراغه بأن مد الإمام التكبير ( قوله وفي الأذان يعتبر التعارف ) قال في النهر إلا أنه في أذان السراج قال الأصح أنه لا يصح ، وإن عرف أنه أذان

التالي السابق


الخدمات العلمية