البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قوله ( باب الرجوع في الهبة ) لا خفاء في حسن تأخيره ( قوله صح الرجوع فيها ) يعني صح الرجوع في الهبة بعد القبض إذا لم يمنع مانع من الموانع الآتية والمراد من الهبة الموهوب لأن الرجوع إنما يكون في حق الأعيان لا في حق الأقوال وأشار بذكر الصحة دون الجواز إلى أنه يكره الرجوع فيها وظاهر كلام المبسوط وتبعه في النهاية أنها كراهة تنزيه فإنه قال إنه غير مستحب ومقتضى دليل الشافعي القائل بعدم الرجوع إلا فيما يهب [ ص: 291 ] الوالد لولده أنها كراهة تحريم وهو ما رواه أصحاب السنن الأربعة مرفوعا { لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يرجع في قيئه فإنه يأكل حتى يشبع فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه } ونقل تصحيحه الحافظ الزيلعي فإن بهذا يحصل الجمع بين هذا وبين ما استدل به أئمتنا لصحته وهو ما رواه الحاكم وصححه مرفوعا { من وهب هبة فهو أحق بها ما لم ينب منها } أي لم يعوض ويدل على أنها كراهة تحريم قول الشارح إن الرجوع قبيح ولا يقال للمكروه تنزيها قبيح لأنه من قبيل المباح أو قريب منه .

وقد يقال إن الحديث المفيد لعدم الحل محمول على ما إذا كان بغير قضاء ولا رضا كما أشار إليه في المحيط وشمل كلامه ما إذا قال الواهب أسقطت حقي من الرجوع فإنه لا يسقط حقه وله الرجوع كذا في فتاوى قاضي خان وشمل ما إذا قال لآخر هب لفلان عني ألف درهم فوهب المأمور كما أمر كانت الهبة من الآمر ولا يرجع المأمور على الآمر ولا على القابض وللآمر أن يرجع في الهبة والدافع يكون متطوعا ولو قال هب لفلان ألف درهم على أني ضامن ففعل جازت الهبة ويضمن الآمر للمأمور وللآمر أن يرجع في الهبة ولا يرجع الدافع كذا في فتاوى قاضي خان من باب الكفالة بالمال وأطلق الهبة فانصرفت إلى الأعيان فلا رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول بخلافه قبله لكونها إسقاطا كما قدمناه وشمل كلامه ما إذا وهبا عبدا فلأحدهم الرجوع في نصيبه مع غيبة صاحبه لأن الشيوع لا يمنع فسخها بدليل أن للواهب أن يرجع في بعضها كذا في المحيط وفي فتاوى قاضي خان الواهب إذا اشترى الهبة من الموهوب له قالوا لا ينبغي له أن يشتري لأن الموهوب له يستحي من المالك فيصير مشتريا بأقل من قيمته إلا الوالد إذا وهب لولده شيئا لأن شفقته على ولده تمنعه من الشراء بأقل من قيمته


( باب الرجوع في الهبة ) ( قوله فإنه قال أنه غير مستحب ) قد يقال أن ما كان غير محبوب شرعا كان مكروها فمعنى غير مستحب كونه مكروها ومطلق الكراهة للتحريم ويدل له تعبير الزيلعي بأنه قبيح كما يأتي ولا سيما وقد وجد دليل خاص من السنة على التحريم وهو الحديث الآتي [ ص: 291 ] ( قوله فلا رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول بخلافه قبله ) لا يخفى أن الكلام في رجوع الواهب وهذا في رد الموهوب له ولا رجوع للواهب هنا مطلقا قال في المنظومة الوهبانية

وواهب دين ليس يرجع مطلقا



التالي السابق


الخدمات العلمية