البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وسمى سرا في كل ركعة ) أي ، ثم يسمي المصلي بأن يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا هو المراد بالتسمية هنا ، وأما في الوضوء والذبيحة فالمراد منها ذكر الله تعالى ، والمراد بالمصلي هنا الإمام أو المنفرد أما المقتدي فلا دخل له فيها فإنه لا يقرأ بدليل أنه قدم أنه لا يتعوذ ، وقد عدها المصنف فيما سبق من السنن ، وهو المشهور عن أهل المذهب ، وقد صحح الزاهدي في شرحه ، وفي القنية وجوبها في كل ركعة وصرح في باب سجود السهو بأنه يلزمه السهو بتركها وتبعه على ذلك ابن وهبان في منظومته قال وإن الوجوب قول الأكثر والشارح الزيلعي في باب سجود السهو وعلل في البدائع بما يفيده ، فإنه قال روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه يأتي بها في ركعة ، هو قول أبي يوسف ومحمد ; لأن التسمية إن لم تجعل من الفاتحة قطعا لخبر الواحد لكن خبر الواحد يوجب العمل فصارت من الفاتحة عملا فمتى لزمه قراءة الفاتحة يلزمه قراءة التسمية احتياطا ا هـ .

وهذا كله ضعيف والمواظبة لم تثبت لما في صحيح مسلم عن أنس صليت خلف النبي [ ص: 330 ] صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وإن كان قد أجاب عنه أئمتنا بأنه لم يرد نفي القراءة بل السماع للإخفاء بدليل ما رواه أحمد عنه فكانوا لا يجهرون ب بسم الله الرحمن الرحيم ، وهو دليلنا على الإخفاء بها ، ولولا التصريح بلزوم السهو بتركها لقلت : إن الوجوب في كلامهم بمعنى الثبوت ، أطلق فشمل الصلاة الجهرية والسرية فما في منية المصلي من أن الإمام إذا جهر لا يأتي بها وإذا خافت يأتي بها غلط فاحش مخالف لكل الروايات ، وقوله في كل ركعة أي في ابتداء كل ركعة فلا تسن التسمية بين الفاتحة والسورة مطلقا عندهما ، وقال محمد تسن إذا خافت لا إن جهر وصحح في البدائع قولهما ، والخلاف في الاستنان أما عدم الكراهة فمتفق عليه ، ولهذا صرح في الذخيرة والمجتبى بأنه إن سمى بين الفاتحة والسورة كان حسنا عند أبي حنيفة سواء كانت تلك السورة مقروءة سرا أو جهرا ورجحه المحقق ابن الهمام وتلميذه الحلبي لشبهة الاختلاف في كونها آية من كل سورة ، وإن كانت الشبهة في ذلك دون الشبهة الناشئة من الاختلاف في كونها آية من الفاتحة ، وما في القنية من أنه يلزمه سجود السهو بتركها بين الفاتحة والسورة فبعيد جدا ، كما أن قول من قال لا يسمي إلا في الركعة الأولى قول غير صحيح بل قال الزاهدي إنه غلط على أصحابنا غلطا فاحشا ، وفي ذكر التسمية بعد التعوذ إشارة إلى محلها فلو سمى قبل التعوذ أعادها بعده لعدم وقوعها في محلها ، لو نسيها حتى فرغ من الفاتحة لا يسمي لأجل فوات محلها .


( قوله وهذا كله ضعيف ) قال في النهر : والحق أنهما قولان مرجحان إلا أن المتون على الأول ، ووجه الثاني بما مر عن البدائع ، ثم قال أقول : في إيجاب السهو بتركها منافاة لما مر من أنه لا يجب بترك أقل الفاتحة فتدبر ا هـ .

أقول : تندفع المنافاة بما مر لنا في الواجبات عن الحصكفي عن المجتبى من وجوب السجود بترك آية منها [ ص: 330 ] ( قوله وإن كان قد أجاب عنه إلخ ) استدراك جواب عما يرد أن ما استدللتم به هو حجة عليكم أيضا فإنه يدل على عدم السنية أيضا وأنتم لا تقولون بذلك .

( قوله فما في منية المصلي إلخ ) قال الرملي أولها شارحها الحلبي بقوله أي لا يأتي بها جهرا بل يأتي بها سرا ا هـ .

ولا يخفى بعده ( قوله وقال محمد تسن إن خافت ) أي تسن في السرية . قال في النهر : وجعله في الخلاصة رواية الثاني عن الإمام ، وفي المستصفى وعليه الفتوى ، وفي البدائع الصحيح قولهما ، وفي العتابية والمحيط قول محمد هو المختار ونقل ابن الضياء في شرح الغزنوية عن شرح عمدة المصلي أنه إنما اختير قول أبي يوسف هذا لأن لفظة الفتوى آكد وأبلغ من لفظة المختار ( قوله لا يسمي لأجل فوات محلها ) عبارة شرح المنية لابن أمير حاج لا يسمي لأجلها لفوات محلها

التالي السابق


الخدمات العلمية