البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قال : رحمه الله . ( واحتكار قوت الآدميين والبهائم في بلد لم يضر بأهلها ) يعني يكره الاحتكار في بلد يضر بأهلها لقوله عليه الصلاة والسلام { الجالب مرزوق والمحتكر ملعون } ولأنه تعلق به حق العامة وفي الامتناع عن البيع إبطال حقهم وتضييق الأمر عليهم فيكره هذا إذا كانت البلدة صغيرة يضر ذلك بأهلها أما إذا كانت كبيرة فلا يكره ; لأنه حابس ملكه ، وتخصيص الاحتكار بالأقوات قول الإمام والثالث ، وقال أبو يوسف : كل ما يضر العامة فهو احتكار ، بالأقوات كان أو ثيابا أو دراهم أو دنانير اعتبارا لحقيقة الضرر ; لأنه هو المؤثر في الكراهة ، وهما اعتبرا الحبس المتعارف وهو الحاصل في الأقوات في المدة فإذا قصرت لا يكون احتكارا لعدم الضرر ، إذا طالت يكون مكروها ثم قيل هو مقدر بأربعين ليلة لقوله عليه الصلاة والسلام { من احتكر طعاما أربعين ليلة فهو بريء من الله والله بريء منه } وقيل بالشهر لأن ما دونه قليل عاجل وهو وما فوقه كثير آجل ويقع التفاوت في المأثم بين أن يتربص العسرة وبين أن يتربص القحط - والعياذ بالله - وقيل : المدة المذكورة للمعاقبة في الدنيا ، وأما الإثم فيحصل وإن قلت المدة فحاصله أن التجارة في الطعام غير محمودة .

وفي المحيط الاحتكار على وجوه : أحدها حرام وهو أن يشتري في المصر طعاما ويمتنع عن بيعه عند الحاجة إليه ولو اشترى طعاما في غير المصر ونقله إلى المصر وحبسه قال الإمام لا بأس به ; لأن حق العامة إنما يتعلق بما جمع من المصر أو جلب من فنائه ، وقال الثاني : يكره ، وقال محمد : كل بقعة يمتد منها إلى المصر في العادة فهي بمنزلة فناء المصر يحرم الاحتكار منه وهذا في غاية الاحتياط ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية