البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( كتاب الأشربة ) ذكر الأشربة بعد الشرب ; لأنهما شعبتا عرف واحد لفظا ومعنى فاللفظي هو الشرب مصدر شرب ، والعرف المعنوي هو معنى لفظ الشرب الذي هو مصدر شرب فإن كلا منهما مشتق من ذلك المصدر ولا بد في الاشتقاق من التناسب بين المشتق والمشتق منه في اللفظ والمعنى قال في العناية : ومن محاسن ذكر الأشربة بيان حرمتها ، إذ الشبهة في حسن تحريم ما يزيل العقل الذي يحصل به معرفة شكر المنعم فإن قيل : لماذا حل للأمم السابقة مع احتياجهم إلى العقل أجيب بأن السكر حرام في جميع الأديان وحرم شرب القليل من الخمر علينا كرامة من الله علينا لئلا يؤدي إلى المحظور بأن يدعو القليل إلى الكثير ، ونحن مشهود لنا بالخيرية فإن قيل هلا حرمت علينا النبيذ والداعي المذكور موجود أجيب بأن [ ص: 247 ] الشهادة بالخيرية لم تكن ، إذ ذاك وإنما يتدرج الضاري لئلا يتعداه من الإسلام كذا في العناية بأن ينفر من الإسلام . ا هـ .

وأضيف هذا الكتاب إلى الأشربة والحال أن الأشربة جمع شراب وهو اسم في اللغة لكل ما يشرب من المائعات حراما كان أو حلالا وفي استعمال أهل الشرع اسم لما هو حرام منه وكان مسكرا لما في هذا الكتاب من بيان حكم الأشربة كما سمى كتاب الحدود لما فيه من بيان حكم الحدود وفي التلويح وفي أوائل القسم الثاني أن إضافة الحل والحرمة إلى الأعيان حقيقة لا مجاز ولا يخفى أنه يحتاج إلى تفسير الأشربة لغة وشرعا - وقد تقدم - ، وإلى بيان الأعيان التي تتخذ منها الأشربة ، وأسمائها وسيأتي بيان ذلك ا هـ .

قال رحمه الله ( الشراب ما يسكر ) هذا في اصطلاح الفقهاء لقوله عليه الصلاة والسلام { كل مسكر حرام } وهذا معناه .

قال رحمه الله ( والمحرم منها أربعة : الخمر وهي النيء من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد وحرم قليلها وكثيرها ) وقال بعضهم كل مسكر خمر لقوله عليه الصلاة والسلام { كل مسكر خمر } رواه مسلم ولقوله عليه الصلاة والسلام { الخمر من هاتين النخلة والعنبة } رواه مسلم ، وأبو داود ولأنها سميت خمرا لمخامرة العقل وكل مسكر يخامر العقل ولنا إجماع أهل اللغة على حقيقته في النيء من ماء العنب وتسمية غيرها بالخمر مجازا وعليه يحمل الحديث المتقدم كذا في الشارح وفيه نظر ; لأنه نقل في القاموس : الخمر ما يسكر من عصير العنب أو عام قال : والعموم أصح وأيضا الحديث محمول على بيان الحكم ; لأنه عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الأحكام لا لبيان الحقيقة اللغوية والتعريف المذكور للخمر هو قول الإمام وعندهما إذا اشتد صار خمرا ولا يشترط فيه القذف بالزبد ; لأن اللذة تحصل به وهو المؤثر في إيقاع العداوة والصد عن الصلاة وله أن الغليان بداية الشدة ، وكماله بقذف الزبد .

والكلام فيه في مواضع : أحدها في بيان ماهيته ، والثاني وقت ثبوت هذا الاسم - وقد تقدما - ، والثالث أن عينه حرام غير معلول بالسكر بخلاف غيره من الأشربة فإنه معلول بالسكر ومن الناس من يقول غير المسكر منها ليس بحرام كغيره من الأشربة فإنه معلول بالسكر ; لأن الفساد لا يحصل إلا به ، وهذا كفر لأنه مخالف الكتاب والسنة والإجماع ، والرابع أنها نجسة العين نجاسة غليظة كالبول والغائط ، والخامس أن مستحلها يكفر لإنكاره الدليل القطعي ، والسادس سقوط تقويمها في حق المسلم حتى لا يضمن متلفها ، السابع لا يجوز بيعها لقوله صلى الله عليه وسلم { إن الذي حرم شربها حرم بيعها } رواه مسلم ، والثامن أنه يحد شاربها وإن لم يسكر ، والتاسع أن الطبخ لا يؤثر فيها لأنه لا يمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها ، والعاشر جواز تحليلها على ما يجيء من قريب إن شاء الله تعالى وفي الكافي ولا يحل أن يسقيه ذميا أو صبيا أو دابة وفي الخانية ويكره الاكتحال بالخمر وأن يجعله في السعوط وفي الأصل لو عجن الدقيق بالخمر كره أكله والحنطة إذا وقعت في الخمر يكره أكلها قبل الغسل ولو انتفخت الحنطة في الخمر قال محمد : لا تطهر قبل الغسل وقال أبو يوسف تغسل ثلاث مرات وتجفف في كل مرة فتطهر وعلى هذا الخلاف إذا طبخ اللحم في الخمر فهو على هذا الخلاف وفي الخلاصة لو طبخ الخمر بالماء ، والماء أقل أو سواء يحد شاربه وإن كان الماء أكثر لا يحد إلا ذا سكر وفي الكافي واختلفوا في سقوط ماليتها والصحيح أنها مال ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية