البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قال رحمه الله ( وطرفي رجل وامرأة وحر وعبد وعبدين ) أي لا قصاص في الطرف بين الرجل والمرأة فقوله وطرف رجل وامرأة إلى آخره ، فإن قيل سلمنا وجود التفاوت في القيمة في الأطراف ، وأنه يمنع الاستيفاء لكن المعقول منه منع استيفاء الأكمل بالأنقص دون العكس ، فإن الشلاء تقطع بالصحيحة ، وأنتم لا تقطعون يد المرأة بيد الرجل ولا يد عبد بحر .

والجواب إنا قد ذكرنا أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال ; لأنها خلقت وقاية للأنفس كالمال ، فالواجب أن يعتبر التفاوت المالي شائعا مطلقا ، والشلل ليس منه ، فيعتبر مانعا من جهة الأكمل كذا في العناية ، ولا مماثلة بين طرفي الذكر والأنثى للتفاوت بينهما في القيمة [ ص: 349 ] بتقسيم الشارع ، ولا بين الحر والعبد ولا بين العبدين للتفاوت في القيمة ، وإن تساويا فيها بالظن ، فصار شبهة منع القصاص ، فإن قيل إن استقام عدم المماثلة في الحر والعبد لم يستقم بين العبدين لإمكان تساوي قيمتهما بتقويم المقومين أجيب بأن التساوي إنما يكون بالحزر والظن والمماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بذلك كالمماثلة في الأموال الربوية بخلاف طرفي الحرين ; لأن استواءهما متيقن بتقويم الشرع وبخلاف الأنفس ; لأن الخلاف فيها متعلق بإزهاق الروح ، ولا تفاوت فيه قال صاحب الكفاية : فإن قيل قوله تعالى { والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن } مطلق يتناول موضع النزاع فيكون حجة عليكم قلنا قد خص منه الحربي .

والمستأمن والعام إذا خص منه شيء يجوز تخصيصه بخبر الواحد فخصصناه بما روي عن عمران بن حصين أنه قال { قطع عبد لقوم فقراء أذن عبد لقوم أغنياء فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقض بالقصاص } ا هـ .

أقول : فيه نظر أما أولا : ؟ فلأنه قد تقرر في علم الأصول أن النص العام إذا خص منه شيء بكلام مستقل موصول به يكون ذلك العام المخصص منه البعض ظنيا في الباقي فيجوز تخصيصه بخبر الواحد ، وأما إذا خرج من النص العام شيء مما هو مفصول عنه غير موصول به فلا يكون ذلك ظنيا في الباقي بل يكون باقيا على حالته الأولى ، ولا شك أن مخرج الحربي والمستأمن من الآية المذكورة ليس بكلام موصول بها فتكون باقية على قطعيتها الأصلية فلا يجوز تخصيصها بخبر الواحد وقد مر منا غير مرة نظير هذا النظر في محاله .

وأما ثانيا ; فلأن حديث عمران بن حصين إنما يفيد عدم جريان القصاص في الأطراف بين العبدين ولا يفيد عدم جريانه فيما بين الرجل والمرأة ولا بين الحر والعبد فبقي الاعتراض بإطلاق الآية المذكورة في هاتين الصورتين ولم يتم الجواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية