البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قال رحمه الله ( قتيل وجد في محلة لم يدر قاتله حلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ) هذا على سبيل الحكاية عن الجميع وأما عند الحلف فيحلف كل واحد منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا لجواز أنه قتله وحده فيجري على يمينه ما قلنا يعني جميعا ولا يعكس لأنه إذا قتله مع غيره كان قاتلا له وقال الشافعي رحمه الله إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ وقال مالك رحمه الله يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد وهو أحد قولي الشافعي واللوث عندهما أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو يشهد عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه وإن لم يكن ثم لوث استحلف المدعى عليهم .

فإن حلفوا لا دية عليهم وإن أبوا أن يحلفوا حلف المدعي واستحق ما ادعاه لنا قوله صلى الله عليه وسلم لو أعطي الناس بدعواهم الحديث وقوله { البينة على المدعي واليمين على من أنكر } ولا فرق في ذلك بين الدم والأموال على ظاهر الأحاديث وما روي في قتيل وجد بين قوم قال يستحلف خمسين رجلا منهم فهو كقول المؤلف قتيل خرج مخرج الغالب قال في العناية جرح رجل في قبيلة ولم يعلم جارحه فإما أن يصير صاحب فراش أو يكون صحيحا بحيث يذهب ويجيء فإن كان الثاني فلا ضمان بالاتفاق وإن كان الأول ففيه القسامة والدية على القبيلة عند الإمام وعند الثاني لا شيء فيه . ا هـ .

وأطلق في القتيل فشمل الخطأ والعمد والدعوى بذلك قال في الأصل وإذا وجد قتيل في محلة قوم وادعى ولي القتيل القتل عمدا أو خطأ فهذا على ثلاثة أوجه إما أن يدعي ولي القتيل على واحد من أهل المحلة أنه هو الذي قتله وليه فإن ادعى على جميع أهل المحلة أنهم قتلوا وليه عمدا أو خطأ وادعى على واحد من غير أهل المحلة أنه هو [ ص: 447 ] الذي قتله وليه عمدا أو خطأ وأنكر أهل المحلة فإنه يحلف خمسون رجلا منهم كل واحد بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا فإن حلفوا غرموا الدية وإن نكلوا فإنه يحبسهم حتى يحلفهم وفي الذخيرة هذا الحبس بدعوى العمد وإن كان يدعي الخطأ فإذا نكلوا عن اليمين يقضى عليهم بالدية ا هـ .

وقوله يتخيرهم الولي يعني يختار الصالحين دون الطالحين ولو من أهل الذمة .

وإن كان القتيل مدبرا أو مكاتبا وجبت القسامة وقيمته في ثلاث سنين لأن العبد بمنزلة الأحرار في حق الدماء وروي عن أبي يوسف أنه لا شيء فيه لأنه في حكم الأموال عنده ولا قسامة في الجنين لأنه ناقص الخلقة ا هـ .

قال رحمه الله ( وإن حلفوا فعلى أهل المحلة الدية ولا يحلف الولي ) وقال الشافعي رحمه الله يحلف وقد تقدم ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم يحلف خمسون رجلا منكم بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ثم أغرموا الدية فقال الحالف يا رسول الله يحلف ويغرم فقال نعم الحديث هذا إذا ادعى عليهم لا بأعيانهم القتل عمدا أو خطأ لأن المدعى عليهم لا يميزون عن الباقين ولو ادعى على البعض بأعيانهم القتل عمدا أو خطأ فكذلك الجواب وإطلاق الكتاب يدل على ذلك وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول أن القسامة والدية تسقط عن الباقين من أهل المحلة ويقال للولي ألك بينة فإن قال لا يستحلف المدعى عليه يمينا واحدة وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة مثله ووجهه أن القياس يأباه لاحتمال وجود القتل من غيرهم وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة والنصوص لم تفرق بين دعوى ودعوى فيجاب بإطلاق النصوص لا بالقياس بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم لأنه ليس فيه نص فلو أوجبناهما لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع ثم إن حلف برئ وإن نكل ففي دعوى المال يثبت وفي دعوى القصاص فهو على الاختلاف الذي ذكرناه في كتاب الدعوى .

التالي السابق


الخدمات العلمية