البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قال رحمه الله ( أو بيعه وشراؤه بما يتغابن ) أي يجوز بيع الوصي وشراؤه بما يتغابن الناس في مثله ولا يجوز بما لا يتغابن الناس ; لأن الولاية نظرية ولا نظر في الغبن الفاحش بخلاف اليسير ; لأنه لا يمكنه التحرز عنه ففي اعتباره انسداد باب الوصاية بخلاف العبد ، والصبي المأذون لهما في التجارة ، والمكاتب حيث يجوز بيعهم وشراؤهم بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة ; لأنهم يتصرفون بحكم المالكية ، والإذن فك الحجر ، والصبي يتصرف بحكم النيابة الشرعية نظرا فيتقيد بموضع النظر وعندهما لا يملكونه ; لأن التصرف بالغبن الفاحش تبرع وهم ليسوا من أهلهما ولا ضرورة إليه وهذا إذا تبايع الوصي للصغير مع الأجنبي وأما إذا اشترى شيئا من مال اليتيم لنفسه أو باع شيئا منه من نفسه جاز عند أبي حنيفة إذا كان فيه منفعة ظاهرة وهو أن يبيع ما يساوي خمسة عشر بعشرة ويشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر وإن لم يكن فيه نفع فلا يجوز وعلى قول محمد وأظهر الروايات عن أبي يوسف أنه لا يجوز بيعه من نفسه بكل حال هذا في وصي الأب وأما وصي القاضي فلا يجوز بيعه من نفسه بكل حال ; لأنه وكيل وللأب أن يشتري شيئا من مال الصغير لنفسه إذا لم يكن فيه ضرر على الصغير بأن كان بمثل القيمة ، والغبن يسير ، وقال المتأخرون من أصحابنا لا يجوز للوصي بيع عقار الصغير إلا أن يكون على الميت دين أو يرغب المشتري فيه بضعف الثمن أو يكون للصغير حاجة إلى الثمن قال الصدر الشهيد وبه يفتى وأطلق المصنف في البيع ، والشراء فشمل العروض ، والعقار وما يخاف عليه الفساد وغير ذلك وتقدم حكم العقار .

وإذا كانت الورثة كلهم صغارا وسيأتي حكم تصرفه وإذا كانوا كبارا أو مختلطين وإذا ادعى رد الوديعة ثم مسائله ثلاثة أقسام : قسم يصدق فيه بالاتفاق ، وقسم لا يصدق فيه بالاتفاق ، وقسم اختلفوا فيه أما الأول إذا قال الوصي : إن أباك ترك رقيقا وأنفقت عليهم أو قال اشتريت رقيقا وأديت الثمن ثم ماتوا فإنه يصدق ; لأنه أقر بما هو مسلط عليه من جهة الشرع ; لأنه مسلط على ما فيه إصلاح الصغير ، والإنفاق عليه وعلى رقيقه مقدار حاجتهم إصلاح لهم فيصدق فيه ولو قال : اشتريت من فلان العبيد الذي في يده ودفعت الثمن وأنكر ذو اليد يصدق على الصبي دون ذو اليد ; لأنه مسلط على الشراء ، والبيع وتنمية مال الصبي فإنه إصلاح لها لكي لا يستأصلها النفقة ، ولو قال استأجرت رجلا لرد الآبق صدق اتفاقا ; لأن الاستئجار فعل هو مسلط عليه شرعا لما فيه من إصلاح الصغير وإحيائه ، وأما القسم الثاني لو قال أنفقت من مالي لأرجع عليك لم يصدق ولذلك لو قال : استهلكت مالا فأديت ضمانه وأنفقت على أخ لك كان زمنا لم يصدق ; لأنه أقر بما لم يكن مسلطا عليه ; لأنه غير مسلط على الإنفاق من مال نفسه ولا على الإنفاق من مال اليتيم على محارمه قبل فرض القاضي وأما القسم الثالث لو

قال أبق غلامك وأديت جعل الآبق وأديت [ ص: 534 ] خراج أرضك عشر سنين . وقال الوارث : لم تؤد إلا حظ سنة صدق الوصي عند أبي يوسف خلافا لمحمد وكذلك لو اختصما ، والأرض لا تصلح للزراعة بأن غلب عليها الماء ، وقال الصبي : كانت كذلك ، وقال الوصي : كانت صالحة فعلى الخلاف وعلى الأول لو كانت تصلح للحال يصدق الوصي إجماعا بعدما أنفقا على مدة المالك ; لأن الوصي أقر بما ليس بمسلط عليه شرعا ; لأن ذلك ليس من الغلة ، والتسليط يتحقق على فعل الغير فلا يصدق فيه كما لو قال إن عبدك جنى ففديته بكذا أو استهلك مال إنسان فأديت ضمانه من مالك لا يصدق فكذا هذا لأبي يوسف أنه أقر بما هو مسلط عليه شرعا في ماله ; لأنه بدل مال الصبي وأخذ بإزائه عوضا يعد له أو منفعة فإنه لا يتمكن من المزارعة إلا بالخراج فكان الخراج بدل ماله ليقع مقابله وكذلك إصلاح أمر أرضه ، والوصي مسلط على التصرف في مال الصبي إذا كان فيه إصلاح وإرفاق ولو أحضر الوصي رجلا إلى القاضي فقال إن هذا رد عبد الصبي من الإباق فوجب له الجعل ، وفي يدي مال هذا الصبي فأعطيه هل يصدقه القاضي قيل هذا على الخلاف أيضا وقيل : لا يصدقه بالإنفاق فيحتاج أبو يوسف إلى الفرق بينهما ، والفرق أنه ثمة ادعى وجوب الجعل في ماله لغيره وهو غير مسلط على الدعوى لغيره في مال الصبي وهنا ادعى أنه كان الجعل من مال الصغير ولم يدع الجعل في ماله للحال فكان مسلطا على التصرف في مال الصغير لإحياء ماله وإصلاحه .

التالي السابق


الخدمات العلمية