البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله والأفضل فيهما الرباع ) أي الأفضل في الليل والنهار أربع ركعات بتسليمة واحدة عند أبي حنيفة وقالا في الليل ركعتان لحديث الصحيحين عن ابن عمر { أن رجلا قال يا رسول الله كيف صلاة الليل قال مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة } ولأبي حنيفة ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها { ما كان يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا } وما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت { كان عليه الصلاة والسلام يصلي الضحى أربعا ولا يفصل بينهن بسلام }

وما تقدم من حديث أبي أيوب وغيره في سنة الظهر والجمعة ثم الجواب عن دليلهما كما أفاده المحقق في فتح القدير مختصرا أن مقتضى لفظ الحديث إما مثنى في حق الفضيلة بالنسبة إلى الأربع أو في حق الإباحة بالنسبة إلى الفرد وترجيح أحدهما بمرجح وفعله صلى الله عليه وسلم ورد على كلا النحوين لكن عقلنا زيادة فضيلة الأربع لأنها أكثر مشقة على النفس بسبب طول تقييدها في مقام الخدمة ورأيناه صلى الله عليه وسلم قال { إنما أجرك على قدر نصبك } فحكمنا بأن المراد الثاني لا واحدة أو ثلاث ولهذا ذكر في زيادات الزيادات أن من نذر أن يصلي أربعا بتسليمة فصلاها بتسليمتين لم يجزه ولو نذر أن يصلي أربعا بتسليمتين فصلاها بتسليمة واحدة جاز عن نذره وفي المحيط وإنما اخترنا في التراويح مثنى مثنى لأنها تؤدى بالجماعة وأداؤها على الناس مثنى مثنى أخف وأيسر .


( قوله وقالا في الليل ركعتين ) قال في النهر قال في العيون وبقولهما يفتي اتباعا للحديث كذا في المعراج ورده الشيخ قاسم بما استدل به المشايخ للإمام من حديث الصحيحين ( قوله ولأبي حنيفة إلخ ) وجه الاستدلال أنه لو لم يكن كل أربع بتسليم لقالت كان يصلي ركعتين أو كان يصلي ثمانيا ( قوله أن مقتضى لفظ الحديث إلخ ) يعني أن مقتضى لفظ الحديث حصر المبتدأ في الخبر وليس بمراد للاتفاق على جواز الأربع أيضا وعلى كراهة الواحدة والثلاث في غير الوتر وإذا انتفى كون المراد لا تباح الاثنتين أو لا تصح لزم كون الحكم بمثنى أما في حق الفضيلة إلخ ما ذكره هنا وذكر في الفتح جوابا آخر وهو أن مثنى مثنى عبارة عن قوله أربع صلاة على حدة أربع صلاة على حدة لأن مثنى معدول عن العدد المكرر وهو اثنان اثنان فمراده حينئذ اثنان اثنان صلاة على حدة ثم اثنان اثنان صلاة على حدة وهلم جرا بخلاف ما إذا لم يتكرر لأن معناه حينئذ الصلاة اثنين اثنين وسبب العدول عن أربع أربع مع أنه أكثر استعمالا وأشهر لإفادة كون الأربع مفصولة بغير السلام وهو التشهد فقط وإلا كان كل صلاة ركعتين ركعتين وقد كانت أربعا قال وقد وقع في بعض الألفاظ ما يحسن تفسيرا على ما قلنا وهو ما أخرجه الترمذي والنسائي عن الفضل بن العباس أنه عليه الصلاة والسلام قال { الصلاة مثنى مثنى بتشهد في كل ركعتين } ا هـ .

مختصرا وكأن المؤلف لم يذكره لأن هذا التأويل ينافيه حديث عائشة الذي تقدم عن الطحاوي { أنه عليه السلام كان يسلم من كل اثنين } وحينئذ فيكون مثنى الثانية تأكيدا للأولى وقد يجاب بأن ذلك لا ينافي الحمل المذكور إذ لا ينكر أنه عليه الصلاة والسلام كان في بعض الأوقات يصلي كل ركعتين بتسليمة وإنما الكلام في الأفضلية كما مر وظاهر حديث عائشة أنه كان عامة أحواله صلاة الأربع بتسليمة لقولهما ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره فالأولى حمل حديث مثنى مثنى عليه جمعا بين الأدلة فتدبر ( قوله أخف وأيسر ) قلت يحتاج إلى الجواب أيضا عن الست بعد المغرب فإن الأفضل فيها أن تكون بثلاث تسليمات كما تقدم فالأولى التعليل باتباع الآثار الواردة في كل [ ص: 59 ] من صلاة التراويح وصلاة الأوابين الدالة على أنها مثنى مثنى

التالي السابق


الخدمات العلمية