البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله ولا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه فإن فعل وهو يخفض رأسه صح وإلا لا ) أي وإن لم يخفض رأسه لم يجز لأن الفرض في حقه الإيماء ولم يوجد فإن لم يخفض فهو حرام لبطلان الصلاة المنهي عنه بقوله تعالى { ولا تبطلوا أعمالكم } وأما نفس الرفع المذكور فمكروه صرح به في البدائع وغيره لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض يعوده فوجده يصلي كذلك فقال إن قدرت أن تسجد [ ص: 123 ] على الأرض فاسجد وإلا فأوم برأسك وروي أن عبد الله بن مسعود دخل على أخيه يعوده فوجده يصلي ويرفع إليه عود فيسجد عليه فنزع ذلك من يد من كان في يده وقال هذا شيء عرض لكم الشيطان أوم بسجودك وروي أن ابن عمر رأى ذلك من مريض فقال أتتخذون مع الله آلهة ا هـ .

واستدل للكراهة في المحيط بنهيه عليه السلام عنه وهو يدل على كراهة التحريم وأراد بخفض الرأس خفضها للركوع ثم للسجود أخفض من الركوع حتى لو سوى لم يصح كما ذكره الولوالجي في فتاويه ولو رفع المريض شيئا يسجد عليه ولم يقدر على الأرض لم يجز إلا أن يخفض برأسه لسجوده أكثر من ركوعه ثم يلزقه بجبينه فيجوز لأنه لما عجز عن السجود وجب عليه الإيماء والسجود على الشيء المرفوع ليس بالإيماء إلا إذا حرك رأسه فيجوز لوجود الإيماء لا لوجود السجود على ذلك الشيء ا هـ .

وصححه في الخلاصة قيد بكون فرضه الإيماء لعجزه عن السجود إذ لو كان قادرا على الركوع والسجود فرفع إليه شيء فسجد عليه قالوا إن كان إلى السجود أقرب منه إلى القعود جاز وإلا فلا كذا في المحيط وفي السراج الوهاج ثم إذا وجد الإيماء فهو مصل بالإيماء على الأصح لا بالسجود حتى لا يجوز اقتداء من يركع ويسجد به .


[ ص: 122 - 123 ] ( قوله هذا شيء عرض لكم الشيطان ) قال الرملي عبارة مجمع الدراية هذا ما عرض لكم به الشيطان وعبارة غاية البيان وهذا ما عرض لكم به الشيطان ( قوله وهو يدل على كراهة التحريم ) أقول : قال في الذخيرة فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض وكان يسجد عليها جازت صلاته فقد صح أن { أم سلمة رضي الله تعالى عنها كانت تسجد على مرقعة موضوعة بين يديها لعلة كانت بها ولم يمنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك } ا هـ .

وهذا يفيد عدم الكراهة إلا أن يقال الكراهة فيما إذا رفعه شخص آخر كما يشعر به ما ذكره المؤلف وعدمها فيما إذا كان على الأرض ثم رأيت القهستاني قال بعد قوله ولا يرفع إلى وجهه شيء يسجد عليه فيه إشارة إلى أنه لو سجد على شيء مرفوع موضوع على الأرض لم يكره ولو سجد على دكان دون صدره يجوز كالصحيح لكن لو زاد يومئ ولا يسجد عليه كما في الزاهدي . ا هـ .

( قوله ولو رفع المريض شيئا إلخ ) أي بأن أخذ بيده عودا أو حجرا ووضعه على جبهته لم يجز ما لم يخفض رأسه

( قوله وفي السراج الوهاج ثم إذا وجد إلخ ) قال في النهر قال الشارح وكان ينبغي أن يقال لو كان ذلك الموضوع يصح السجود عليه كان سجودا وإلا فإيماء ا هـ .

وعندي فيه نظر لأن خفض الرأس بالركوع ليس إلا إيماء ومعلوم أنه لا يصح السجود دون الركوع ولو كان الموضوع مما يصح السجود عليه ا هـ .

وأجاب عنه في حواشي مسكين بأن قوله لأن خفض الرأس إلخ دعوى لا دليل عليها وأي فرق بين المريض وغيره حيث جعل خفض الرأس للركوع من الصحيح ركوعا ومن المريض إيماء . ا هـ .

قلت بل ما ذكره دعوى لا دليل عليها لأنه قد مر أن المفروض من الركوع كما في البدائع وأكثر الكتب أصل الانحناء والميل وعن الحاوي الركوع انحناء الظهر وأما ما في المنية أنه طأطأة الرأس فالمراد به مع انحناء الظهر كما قاله الشيخ إبراهيم في شرحها كما قدمناه مبسوطا في محله وسيأتي ما يوضحه فالأولى حمل كلام الزيلعي على ما إذا وجد أدنى انحناء الظهر ليكون ركوعا حقيقة فالثمرة صحة اقتداء الراكع الساجد به لأنه اقتداء القائم بالقاعد الذي يركع ويسجد وذلك صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية