البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله تجب بأربع عشرة آية ) أي تجب سجدة التلاوة بسبب تلاوة آية من أربع عشرة آية في أربع عشرة سورة وهي : الأعراف في آخرها والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والأولى من الحج والفرقان والنمل والم تنزيل وص وحم السجدة والنجم والانشقاق والعلق هكذا كتب في مصحف عثمان ، وهو المعتمد فهي أربع في النصف الأول وعشر في النصف الآخر ، وإنما كانت واجبة لقوله عليه الصلاة والسلام { السجدة على من سمعها } [ ص: 129 ] وعلى للإلزام ولما رواه مسلم عن أبي هريرة في الإيمان يرفعه { إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي يقول يا : ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فامتنعت فلي النار } والأصل أن الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ، ولم يعقبه بالإنكار كان دليل صحته فهذا ظاهر في الوجوب من أن آي السجدة تفيده أيضا ; لأنها ثلاثة أقسام : قسم فيه الأمر الصريح به وقسم تضمن حكاية استنكاف الكفرة حيث أمروا به وقسم فيه حكاية فعل الأنبياء السجود ، وكل من الامتثال والاقتداء ومخالفة الكفرة واجب إلا أن يدل دليل في معين على عدم لزومه لكن دلالتها فيه ظنية فكان الثابت الوجوب لا الفرض والاتفاق على أن ثبوتها على المكلفين مقيد بالتلاوة لا مطلقا فلزم كذلك ثم هي واجبة على التراخي إن لم تكن صلاتية ; لأن دلائل الوجوب مطلقة عن تعيين الوقت فيجب في جزء من الوقت غير عين ويتعين ذلك بتعيينه فعلا ، وإنما يتضيق عليه الوجوب في آخر عمره كما في سائر الواجبات الموسعة وأما المتلوة في الصلاة فإنها تجب على سبيل التضييق لقيام دليل التضييق ، وهو أنها وجبت بما هو من أفعال الصلاة وهو القراءة فالتحقت بأقوالها وصارت جزءا من أجزائها ; ولهذا قلنا إذا تلا آية السجدة ، ولم يسجد ، ولم يركع حتى طالت القراءة ثم ركع ونوى السجدة لم تجز ، وكذا إذا نواها في السجدة الصلبية ; لأنها صارت دينا ، والدين يقضى بما له لا بما عليه .


( قول المصنف بأربع عشرة آية ) قال في النهر أي بسبب تلاوتها ويجوز أن تكون الباء بمعنى في أي في أربع عشرة آية ، وكأنه أولى إذ مقتضى الأولى توقف الوجوب على تلاوة الأربعة عشر وقوله في البحر أي تجب إلخ مما لا دليل في كلامه عليه ( قوله لقوله عليه السلام { السجدة على من سمعها } ) قال في العناية اعلم أن صاحب [ ص: 129 ] النهاية قال جعل هذا اللفظ في سائر النسخ من المبسوطين والأسرار والمحيط وشرح الجامع الصغير من ألفاظ الصحابة لا من الحديث ، وأقول : لم يكن المصنف ممن لم يطالع الكتب المذكورة فلولا أنه ثبت عنده كونه حديثا لما نقله حديثا فإنه رحمه الله تعالى أعظم ديانة ممن يتوهم به ذلك ا هـ .

( قوله ثم هي واجبة على التراخي ) قال في العناية فمن سجد كان أداء لا قضاء وذلك عند محمد ورواية عن أبي حنيفة وعند أبي يوسف ، وفي رواية عن أبي حنيفة أن وجوبها على الفور ا هـ .

ونقل في الدرر عن العناية الخلاف على العكس ، وفي النهر وينبغي أن يكون محله في الإثم وعدمه حتى لو أداها بعد صلاة كان مؤديا اتفاقا لا قاضيا ا هـ .

قال الشيخ إسماعيل وفيه نظر أي لما علمت من عبارة العناية ولما سيأتي أن الصلاتية لو أخرت عن محلها إلى آخر الصلاة تكون قضاء فالظاهر أن غيرها كذلك إذ لا فارق نعم ما قاله في النهر له نظائر كالحج والزكاة ( قوله وأما المتلوة في الصلاة إلخ ) قال في الشرنبلالية يجوز أن يقال تجب الصلاتية موسعا بالنسبة لمحلها كما لو تلا في أول صلاته وسجدها في آخرها ا هـ .

ولا يخفى ما فيه ; لأنه يلزم عليه أنه لا يأثم في هذه الصورة ، وهو خلاف المنصوص عليه بل تصير قضاء ويأثم بتأخيرها كما يفيده كلام المؤلف هنا وسيصرح به عن البدائع في شرح قوله ، ولم تقض الصلاتية خارجها ويجب عليه سجود السهو لو تذكرها في آخر صلاته في الأصح كما قدمناه في باب السهو ، وهذا عين التضييق فكيف يكون موسعا بالنسبة للصلاة وكأنه أراد أن يفرق بين التضييق في الصلاتية والتضييق في غيرها عند آخر العمر بأنه في الأولى يمكن التدارك بالقضاء ما دام في حرمة الصلاة فكان فيه نوع توسعة بخلاف الثاني ولكن هذا القدر لا يسوغ إطلاق أن الوجوب فيها موسع فتدبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية