البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
ولو تنجس الحوض الصغير ثم دخل فيه ماء آخر وخرج حال دخوله طهر ، وإن قل وقيل لا حتى يخرج قدر ما فيه وقيل حتى يخرج ثلاثة أمثاله وصحح الأول في المحيط وغيره قال السراج الهندي وكذا البئر .

واعلم أن عبارة كثير منهم في هذه المسألة تفيد أن الحكم بطهارة الحوض إنما هو إذا كان الخروج حالة الدخول ، وهو كذلك فيما يظهر ; لأنه حينئذ يكون في المعنى جاريا لكن إياك وظن أنه لو كان الحوض غير ملآن فلم يخرج منه شيء في أول الأمر ثم لما امتلأ خرج منه بعضه لاتصال الماء الجاري به أنه لا يكون طاهرا حينئذ إذ غايته أنه عند امتلائه قبل خروج الماء منه نجس فيطهر بخروج القدر المتعلق به الطهارة إذا اتصل به الماء الجاري الطهور كما لو كان ممتلئا ابتداء ماء نجسا ثم خرج منه ذلك القدر لاتصال الماء الجاري به ثم كلامهم يشير إلى أن الخارج منه نجس قبل الحكم على الحوض بالطهارة ، وهو كذلك كما هو ظاهر كذا في شرح منية المصلي وفي شرح الوقاية ، وإذا كان حوض صغير يدخل فيه الماء من جانب ويخرج من جانب يجوز الوضوء في جميع جوانبه وعليه الفتوى من غير تفصيل بين أن يكون أربعا في أربع أو أقل فيجوز أو أكثر فلا يجوز وفي معراج الدراية يفتى بالجواز مطلقا واعتمده في فتاوى قاضي خان وفي فتح القدير أن الخلاف مبني على نجاسة الماء المستعمل فقولهم في هذه المسألة أنه لا يجوز الوضوء إلا في موضع خروج الماء إنما هو بناء على نجاسة الماء المستعمل ، وأما على المختار من طهارة الماء المستعمل فالجواب في هذه المسألة كما تقدم في نظائرها أنه يجوز الوضوء فيها ما لم يغلب على ظن المتوضئ أن ما يغترفه لإسقاط فرض ماء مستعمل أو ما يخالطه منه مقدار نصفه فصاعدا فكن على هذا معتمدا كذا في شرح منية المصلي للعلامة ابن أمير حاج رحمه الله تعالى .

واعلم أن أكثر التفاريع المذكورة في الكتب مبنية على اعتبار العشر في العشر فأما على المختار من اعتبار غلبة الظن فيوضع مكان لفظ عشر في كل مسألة لفظ كثير أو كبير ثم تجري التفاريع ا هـ .

وسائر المائعات كالماء في القلة والكثرة يعني كل مقدار لو كان ماء تنجس فإذا كان غيره ينجس .


( قوله : ولو تنجس الحوض الصغير ثم دخل فيه ماء آخر وخرج إلخ ) أقول : سيأتي أن الصحيح أنه إذا جرى طهر ، وإن لم يكن له مدد وسيذكر فروعا مبنية عليه وعلى هذا فإذا كان الحوض منتقصا وتنجس ثم أفرغ فوقه ماء طاهر بنحو قربة حتى جرى ماء الحوض وكذا الإبريق إذا كان فيه ماء نجس ثم صب فوقه ماء طاهر هل يحكم بطهارته بمجرد ذلك أم لا ومقتضى ما سيأتي الحكم بطهارته ، وقد وقع في عصرنا الاختلاف في هذه المسألة بين بعض مشايخنا فبعضهم منعه مستندا إلى أنه لا يعد في العرف جاريا وبعضهم قال يطهر ; لأنه مثل مسألة الميزاب الآتية حتى أفتى في آنية فيها ماء ورد وقعت فيها نجاسة بأنها تطهر بمجرد جريانها بأن يصب فوقها ماء قراح أو ماء ورد طاهر أخذا مما ذكر ومما سيأتي قريبا أن سائر المائعات كالماء لكن أخبرنا شيخنا حفظه الله تعالى أن بعض أهل عصره في حلب أفتى بذلك أيضا في المائعات فأقام عليه النكير أهل عصره ولم يقبلوا ذلك منه فتأمل قلت ورأيت في البدائع بعد ذكر الخلاف في تطهير الحوض الصغير من الأقوال الثلاثة المذكورة في كلام المؤلف قال ما نصه وعلى هذا حوض الحمام أو الأواني إذا تنجست ا هـ .

ومقتضاه طهارة الأواني بمجرد دخول الماء وخروجه وإن قل بناء على القول الصحيح من الأقوال الثلاثة وأنه يعد جاريا وقد علل في البدائع هذا القول بقوله ; لأنه صار ماء جاريا ولم نستيقن بقاء النجاسة فيه قال وبه أخذ الفقيه أبو الليث ( قوله : ثم كلامهم إلخ ) أي إذا قلنا [ ص: 83 ] إنه لا يطهر ما لم يخرج قدر ما فيه أو ثلاثة أمثاله ، فذلك الخارج قبل بلوغه القدر المذكور نجس ; لأنه لم يحكم بطهارة الحوض فكذا ما خرج منه بخلاف ما إذا قلنا بطهارته بمجرد الخروج ، فإن ذلك الخارج طاهر لحكمنا بطهارة الحوض بمجرد ذلك يدل عليه ما في الظهيرية والصحيح أنه يطهر ، وإن لم يخرج مثل ما فيه ، وإن رفع إنسان من ذلك الماء الذي خرج وتوضأ به جاز ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية