البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله ويغسل ولي مسلم الكافر ويكفنه ويدفنه ) بذلك أمر علي رضي الله عنه أن يفعل بأبيه حين مات وهذه عبارة معيبة غير محررة أما الأول فلأن المسلم ليس بولي الكافر ، وما في العناية من أنه أراد به القريب فغير مفيد ; لأن المؤاخذة على نفس التعبير به بعد إرادة القريب به وأطلقه فشمل ذوي الأرحام كالأخت والخال والخالة ، وأما الثاني فلأنه أطلق في الغسل والتكفين والدفن فينصرف إلى ما قدمه من تجهيز المسلم وليس كذلك ، وإنما يغسل غسل الثوب النجس من غير وضوء ، ولا بداءة بالميامن ، ولا يكون الغسل طهارة له حتى لو حمله إنسان وصلى لم تجز صلاته ويلف في خرقة بلا اعتبار عدد ، ولا حنوط ، ولا كافور ويحفر له حفيرة من غير مراعاة سنة اللحد ولأنه أطلق في الكافر ، وهو مقيد بغير المرتد أما المرتد فلا يغسل ، ولا يكفن ، وإنما يلقى في حفيرة كالكلب ، ولا يدفع إلى من انتقل إلى دينهم كما في فتح القدير ولأنه أطلق جواب المسألة ، وهو مقيد بما إذا لم يكن له قريب كافر ، فإن كان خلي بينه وبينهم ويتبع الجنازة من بعيد وقيد المصنف بالولي المسلم ; لأن المسلم إذا مات ، وله قريب كافر فإن الكافر لا يتولى تجهيزه ، وإنما يفعله المسلمون ويكره أن يدخل الكافر في قبر قرابته المسلم ليدفنه ، وما استدل به الزيلعي على أن الكافر يمكن من تجهيز قريبه المسلم من قول القدوري إذا مات مسلم ، ولم يوجد رجل يغسله يعلم النساء الكافر فاستدلال غير صحيح ; لأن كلامنا فيما إذا وجد المسلمون ودليله فيما إذا لم يوجد من الرجال أحد فلو قال ويغسل ويكفن ويدفن المسلم قريبه الكافر الأصلي عند الاحتياج من غير مراعاة السنة لكان أولى .


( قوله وهذه عبارة معيبة غير محررة إلخ ) قال في النهر بعد ذكره إن هذه العبارة لفظ الجامع الصغير ولقائل أن يقول لا نسلم أنها معيبة إذ غاية الأمر أن إطلاق الولي على القريب مجاز لكن بقرينة وهي ما اشتهر أنه لا توالي بين كافر ومسلم وقد صرحوا بأنه لا عيب في المجاز الذي معه قرينة في الحدود فما بالك في غيرها ، ولا نسلم أيضا أنها غير محررة ; لأن جواب المسألة إنما هو جواز الغسل قال الإمام التمرتاشي إذا كان للميت الكافر من يقوم به من أقاربه فالأولى للمسلم أن يتركه لهم كذا في السراج وبهذا القدر لا ينتفي الجواز ، وأما المرتد فقد تعورف إخراجه من لفظ الكافر فتدبر . وحيث كانت العبارة واقعة من إمام المذهب محمد بن الحسن فنسبة العيب وعدم التحرير إليها مما لا ينبغي كيف وقد تبعه في ذلك كبار [ ص: 206 ] الأئمة كالمصنف وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية