صفحة جزء
في فرض السلطان النفقة للمرأة على زوجها قلت : أرأيت المرأة إذا خاصمت زوجها في النفقة ، كم يفرض لها ، نفقة سنة أو نفقة شهر بشهر ؟

قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا ، ولكني أرى ذلك على اجتهاد الوالي في عسر الرجل ويسره ، وليس كل الناس في ذلك سواء .

قلت : أرأيت النفقة على الموسر وعلى المعسر كيف هي في قول مالك ؟

قال : أرى أن يفرض لها على الرجل على قدر يساره وقدر شأن المرأة وعلى المعسر أيضا ينظر السلطان في ذلك على قدر حاله وعلى قدر حالها قلت : فإن كان لا يقدر على نفقتها ؟

قال : يتلوم له السلطان فإن قدر على نفقتها وإلا فرق بينهما ، قال مالك : والناس في هذا مختلفون ، منهم من يطمع له بقوة ومنهم من لا يطمع له بقوة .

قلت : أرأيت إن فرق السلطان بينهما ثم أيسر في العدة ؟

قال مالك : هو أملك برجعتها إن أيسر في العدة وإن هو لم ييسر في العدة فلا رجعة له ، ورجعته باطلة إذا هو لم ييسر في العدة .

قلت : هل يؤخذ من الرجل كفيل بنفقة المرأة في قول مالك ؟

قال : لا يؤخذ منه كفيل ; لأن مالكا قال في رجل طلق امرأته وأراد الخروج إلى سفر ، فقالت أنا أخاف الحمل ، فأقم لي حميلا بنفقتي إن كنت حاملا قال مالك : لا يكون على الرجل أن يعطيها حميلا وإنما لها إن كان الحمل ظاهرا أن تأخذه بالنفقة وإن كان الحمل غير ظاهر ، فلا حميل لها عليه ، فإن خرج زوجها وظهر حملها بعده فأنفقت على نفسها ، فلها أن تطلبه بالنفقة إذا قدم إن كان موسرا في حال حملها ، وإنما ينظر إلى يساره في حال ما كان تجب عليه النفقة وإن كان غير غائب فأنفقت على نفسها ولم تطلبه بذلك حتى وضعت حملها فلها أن تتبعه بما أنفقت .

قلت : أرأيت إن أراد الزوج سفرا فطلبته امرأته بالنفقة ، كم يفرض لها أشهرا أو [ ص: 181 ] أكثر من ذلك ؟

قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا ، ولكني أرى أن ينظر إلى سفره الذي يريد فيفرض لها على قدر ذلك .

قلت : ويؤخذ منه في هذا حميل أو لا ؟

قال : يدفع النفقة إليها ويأتيها بحميل يجريها لها .

قلت : فإن كان الزوج حاضرا ففرض عليه السلطان نفقتها شهرا فشهرا فأرادت منه حميلا ؟

قال : لا يكون لها أن تأخذ منه حميلا .

قلت : لم ؟

قال : لأنه حاضر يقول ما وجب لك علي فأنا أعطيك ولا أعطيك حميلا .

قلت : وهذا قول مالك ؟

قال : هذا رأيي .

قلت : أرأيت امرأة رجل هو معها مقيم فأقامت معه سنين وقد بنى بها ، فادعت أنه لم ينفق عليها ، وقال الزوج قد أنفقت عليها ؟

قال : قال مالك : القول قول الزوج ويحلف .

قلت : عديما كان الزوج أو موسرا ؟

قال : نعم ، إذا كان مقيما معها وكان موسرا .

قلت : أرأيت إن كان غائبا فأقام سنين ، ثم قدم فقال قد كنت أبعث إليها بالنفقة وأجريها عليها ؟

قال : القول قول الزوج إلا أن تكون المرأة رفعت ذلك إلى السلطان ، فاستعدت في مغيبه ، فإن ذلك يلزم الزوج من يوم رفعت ولا يبرئه إلا أن يأتي بمخرج من ذلك ، وإن قال : بعثت إليك لم ينفعه ذلك ، وهذا قول مالك .

قلت : أرأيت إن كانت موسرة وكان الزوج موسرا أو معسرا فكانت تنفق من مالها على نفسها وعلى زوجها ، ثم جاءت تطلب النفقة ؟

قال : لا شيء لها في رأيي فيما أنفقت على نفسها إذا كان الزوج في حال ما أنفقت معسرا ، وإن كان الزوج موسرا فذلك دين عليه ، وأما ما أنفقت على زوجها فذلك دين عليه موسرا كان أو معسرا إلا أن يرى أنه كان منها لزوجها على وجه الصلة .

قلت : وكذلك لو أن أجنبيا أنفق علي سنة ثم طلب ما أنفق أيكون ذلك له ؟

قال : نعم ، في رأيي إلا أن يكون رجلا يعرف أنه إنما أراد به ناحية الصلة والضيافة فلا يكون ذلك له .

قلت : فإن كان إنما كان ينفق الخرفان ولحم الدجاج والحمام فكنت آكله وأنا لو كنت أنفق من مالي لم أنفق هذا ؟

قال : لا ينظر في هذا الأمر إلى الإسراف ، ويرجع عليه بغير السرف إلا أن يكون الذي أنفق عليه صغيرا فجعل ينفق عليه ، فإنه لا يرجع عليه بشيء إلا أن يكون له مال يوم كان ينفق عليه ، فإنه يرجع عليه في ماله ذلك .

قلت : أرأيت فإن تلف المال وكبر الصبي فأفاد مالا ؟

قال : لا يكون له أن يرجع عليه في شيء في رأيي ; لأن مالكا سئل عن رجل هلك وترك صبيا صغيرا وأوصى إلى رجل فأخذ ماله وأنفق عليه سنة أو سنتين ، ثم أتى على الميت دين استغرق ماله كله أفترى على الوصي شيئا فيما أنفق على الصبي وهو لا يعلم بالدين أو هل يكون على الصبي إن كبر ؟

قال مالك : في الصبي لا شيء عليه وإن كبر وأفاد مالا فيما أنفق عليه [ ص: 182 ] لأنه لم يل ذلك . وقال : في الوصي كذلك لا ضمان عليه فهذا مثله عندي .

قال سحنون : وكان المخزومي يقول ذلك على الصبي دين ; لأن صاحب الدين لم ينفقه على اليتيم فيرى أن ذلك منه حسبة .

قلت : أرأيت إن أنفقت المرأة وزوجها غائب وهو معسر في حال ما أنفقته ، أيكون ذلك دينا لها أم لا في قول مالك ؟

قال : لا يكون ذلك دينا عليه كذلك قال مالك .

قلت : ولم ؟

قال : لأن الرجل إذا كان معسرا لا يقدر على النفقة فليس لها عليه النفقة إنما لها أن تقيم معه أو يطلقها ، كذلك الحكم فيها .

قلت : أرأيت إن أنفقت وهو غائب موسر أتضرب بنفقتها مع الغرماء ؟

قال : نعم .

قلت : أرأيت إن أنفقت على نفسها وعلى ولدها والزوج غائب ثم طلبت النفقة ؟

قال : ذلك لها إن كان موسرا يوم أنفقت على نفسها وعلى ولدها إن كانوا صغارا أو جواري أبكارا حضن أو لم يحضن وهذا رأيي .

قلت : فهل تضرب بما أنفقت على الولد مع الغرماء ؟

قال : لا .

قلت : أرأيت الرجل إذا قوي على نفقة امرأته ولم يقو على نفقة ولدها منه إلا صاغرا أيكون هذا عاجزا عن نفقة امرأته ويفرق بينها وبينه في قول مالك أم لا ؟

قال : لا يكون عاجزا إذا قوي على نفقة امرأته وإن لم يقو على نفقة ولدها منه ; لأن مالكا قال في الوالد إنه إنما تلزمه النفقة على الولد إذا كان الأب يقدر على غنى أو سعة ، وإلا فهو من فقراء المسلمين لا يلزمه من ذلك شيء ، وأما المرأة فليست كذلك إن لم يجد ما ينفق فرق بينهما ، وهو إذا وجد نفقتها ولم يجد نفقة ولده لم يلزمه نفقتهم كانت المرأة أمهم أو لم تكن أمهم .

قلت : أرأيت إن كان لي على امرأتي دين وهي معسرة ، فخاصمتني في نفقتها فقضي علي بنفقتها ، قلت : احسبوا لي نفقتها في ديني الذي لي عليها ؟

قال : ما سمعت في هذا شيئا وأرى إن كانت عديمة أن ينفق عليها ويتبعها بدينه ولا يحسب نفقتها من الدين لأنها لا تقدر على شيء .

قلت : أرأيت إن كانت غنية ؟

قال : إن كانت غنية قيل للزوج خذ دينك وادفع إليها نفقتها ، وإن شئت فحاصصها بنفقتها .

قلت : أرأيت إن اختلف الزوج والمرأة في فريضة القاضي في نفقتها وقد مات القاضي أو عزل ، فقال الزوج فرض لك كل شهر عشرة دراهم ، وقالت المرأة بل فرض لي كل شهر عشرين درهما ؟

قال : القول فيه قول الزوج إن كان يشبه نفقة مثلها ، وإلا كان القول قولها إذا كان يشبه نفقة مثلها ، فإن كان لا يشبه نفقة مثلها لم يقبل قول واحد منهما وأعطيت نفقة مثلها ، فيما تستقبل يفرض لها القاضي نفقة مثلها وما سمعت من مالك في هذا شيئا . [ ص: 183 ]

قلت : أرأيت إن دفع الزوج إلى المرأة ثوبا كساها إياه ، فقالت المرأة أهديته إلي ، وقال الزوج بل هو مما فرض القاضي علي ؟

قال : القول قول الزوج في رأيي إلا أن يكون الثوب من الثياب التي يفرضها القاضي لمثلها فيكون القول قولها .

قلت : أرأيت إن فرض لها القاضي نفقة شهر بشهر ، فكانت تأخذ نفقة الشهر فتتلفه قبل الشهر ، أيكون لها على الزوج شيء أم لا ؟

قال : لا شيء لها على الزوج ; لأن مالكا قال لي : كل من دفعت إليه نفقته كانت لازمة له على غيره مثل الابن يدفع عنه والده نفقته إلى أمه ، وقد كان طلقها أو المرأة يقيم لها نفقتها فيدفع إليها نفقة سنة فيهلك الابن أو المرأة قبل ذلك ، قال : قال مالك : يحاسب الأم أو من أخذ تلك النفقة بما أنفق من الأشهر ويرد فضل ذلك وذلك ضامن على من قبضه ، فهذا يدلك على أنها إن أتلفته أو ضاع منها فلا شيء عليه

التالي السابق


الخدمات العلمية