صفحة جزء
ما جاء في رضاع الكبير

قلت : هل يرى مالك رضاع الكبير يحرم شيئا أم لا ؟ قال : لا .

قلت : أرأيت الصبي إذا فصل ، فأرضعته امرأة بلبنها بعدما فصل ، أيكون هذا رضاعا أم لا في قول مالك ؟

قال : قال مالك : الرضاع حولان وشهر أو شهران بعد ذلك .

قلت : فإن لم تفصله أمه وأرضعته ثلاث سنين ، فأرضعته امرأة بعد ثلاث سنين والأم ترضعه لم تفصله بعد ؟

قال مالك : لا يكون ذلك رضاعا ولا يلتفت في هذا إلى رضاع أمه ، إنما ينظر في هذا إلى الحولين وشهر أو شهرين بعدهما ، قال ابن القاسم : ولو أن أمه أرضعته ثلاث سنين أو أربع سنين أكان يكون ما كان من رضاع غيرها هذا الصبي بعد ثلاث سنين أو أربع سنين رضاعا ليس هذا بشيء ؟

قال : ولكن لو أرضعته امرأة في الحولين والشهر والشهرين لحرم بذلك كما لو أرضعته أمه .

قلت : أرأيت إن فصلته قبل الحولين أرضعته سنة ثم فصلته ، فأرضعته امرأة أجنبية قبل تمام الحولين وهو فطيم ، أيكون ذلك رضاعا أم لا ؟

قال : لا يكون ذلك رضاعا إذا فصلته قبل الحولين وانقطع رضاعه واستغنى عن الرضاع ، فلا يكون ما أرضع بعد ذلك رضاعا .

قلت : أرأيت إذا فصلته أمه بعد تمام الحولين فأرضعته امرأة بعد الفصال بيوم أو يومين ، أيكون ذلك رضاعا أم لا في قول مالك ؟

قال ابن القاسم : ما كان من رضاع بعد الحولين باليوم واليومين وما أشبهه مما لم يستغن فيه بالطعام عن الرضاع حتى جاءت امرأة فأرضعته ، فأراه رضاعا ; لأن مالكا قد رأى الشهر والشهرين بعد الحولين رضاعا إلا أن يكون قد أقام بعد الحولين أياما كثيرة مفطوما واستغنى عن اللبن وعاش بالطعام والشراب ، فأخذته امرأة فأرضعته فلا يكون هذا رضاعا ; لأن عيشه قد تحول عن اللبن وصار عيشه في الطعام .

قلت : أليس قد قال مالك : ما كان بعد الحولين بشهر أو شهرين فهو رضاع ؟

قال : إنما قال ذلك في الصبي إذا وصل رضاعه بعد الحولين بالشهر والشهرين ولم يفصل ، قال ابن القاسم : وأرى إذا فصل اليوم واليومين ثم أعيد إلى اللبن فهو رضاع .

قلت : فإن لم يعد إلى اللبن ، ولكن امرأة أتت فأرضعته مصة أو مصتين وهو [ ص: 298 ] عند أمه على فصاله لم تعده إلى اللبن ؟

قال مالك : المصة والمصتان تحرم ; لأن الصبي لم يشغل عن عيش اللبن بعد وأنت تعلم أنه لو أعيد إلى اللبن كان له قوة في غذائه وعيش له ، فكل صبي كان بهذه المنزلة إذا شرب اللبن كان ذلك عيشا له في الحولين وقرب الحولين فهو رضاع ، وإنما الذي قال مالك : الشهر والشهرين ذلك إذا لم ينقطع الرضاع عنه

ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا رضاع بعد الفطام } وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وأم سلمة وابن المسيب وعروة وربيعة مثله . ابن وهب وأخبرني مالك وغي ره أن رجلا أتى أبا موسى الأشعري فقال إني مصصت من امرأتي من ثديها فذهب في بطني ، فقال أبو موسى لا أراها إلا وقد حرمت عليك ، فقال له ابن مسعود : انظر ما تفتي به الرجل ، فقال أبو موسى ما تقول أنت ؟ فقال ابن مسعود : لا رضاع إلا ما كان في الحولين ، فقال أبو موسى لا تسألوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم ، قال ابن وهب وقال غير مالك أن ابن مسعود قال له إنما أنت رجل مداوى لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان في الحولين ، ما أنبت اللحم والعظم وأخبرني مالك عن ابن دينار قال : جاء رجل إلى ابن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير ، فقال ابن عمر جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال كانت لي جارية وكنت أطؤها فعمدت امرأتي فأرضعتها ، فدخلت عليها فقالت لي دونك ، فقد والله أرضعتها ، قال : فقال عمر : أرجعها وأت جاريتك فإنما الرضاع رضاع الصغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية