صفحة جزء
قلت : أرأيت إن اشتريت جاريتين هذه بخمسمائة وهذه بألف على أن أختار إحداهما ؟ قال : قال مالك : لا يصلح هذا البيع إذا كان يأخذهما على أن إحداهما قد وجبت له إن شاء التي بخمسمائة وإن شاء التي بألف ؟

قال : قال مالك : فإن كان أخذهما على أن ينظر إليهما إن أحب أن يأخذ أخذ وإن أحب أن يترك ترك ، والبائع أيضا ، كذلك لا يلزمه شيء من البيع إن أحب أن يمضي أمضى ، وإن أحب أن يرد رد فلا بأس بهذا ، [ ص: 225 ] وإن أخذهما على أن البيع في إحداهما لازم للمشتري أو للبائع فلا خير في ذلك عند مالك .

قلت : ولم كرهه مالك ؟

قال : لأنه كأنه فسخ هذه في هذه أو هذه في هذه ، فلذلك كرهه من قبل الخطر فيهما لأنه لا بد من أن تكون إحدى السلعتين أرخص من صاحبتها فهو إن أخطأ المشتري فأخذ الغالية كان قد غبنه البائع وإن أخذ الرخيصة كان المشتري قد غبن البائع وهو من بيعتين في بيعة ، وإنما مثلهما مثل سلعة واحدة باعها بثمنين مختلفين مما يجوز أن يحول بعضها في بعض بدينار وثوب أو ثوب وشاة قد وجب عليه أن يأخذ أيهما شاء ؟ قال مالك : لا خير فيه لأنه لا يدري بما باع ولأنه من بيعتين في بيعة .

قال سحنون ، وقال ابن وهب وابن نافع : وقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة يجيز مثل هذا إذا قال الرجل للرجل : هذا الثوب بسبعة وهذا الثوب بخمسة ، والوزن واحد فاختر فيهما وقد وجب لك أحدهما فلا بأس بذلك وتفسير حلال ذلك أنه كأنه أخذ الذي بسبعة ثم رده وأخذ الذي بخمسة ووضع درهمين من السبعة عن نفسه وكأنه اشترى درهمين من السبعة التي كانت عليه والثوب الذي بخمسة بالثوب الذي كان أخذه بسبعة ثم رده وبقيت عليه خمسة وصار الثوب الذي بخمسة له فليس في هذا دراهم بدراهم قال عبد العزيز بن أبي سلمة : وإذا كانت الدراهم مختلفة الوزن هذه نقص وهذه وازنة فلا يصلح في رأيي ، وتفسير ذلك أنه كأنه أخذ الثوب الذي بخمسة قائمة ثم رده وأخذ الثوب الذي بسبعة نقص وجعل مكان الخمسة القائمة سبعة نقصا فلا يستطيع إلا أن يخرجهما جميعا نقصا لأنه ليس موضع قصاص حين لم يكن مثلها . قال مالك : وعبد العزيز في الذي يبيع السلعة بعشرة نقص أو بسبعة وازنة كلتاهما نقدا أو يوجب عليه إحدى الثمنين قالا : لا يصلح ، وتفسير ذلك أنه ملكه وزنين مختلفين فهو كأنه أخذ بالنقص وصارت عليه ثم فسخ ما ملك فسخه وأعطاه مكانها وازنة فلا يصلح اشتراء أحد الثمنين بصاحبه .

قال ابن وهب وقال يونس : سألت ربيعة ما صفة البيعتين تجيزهما الصفقة الواحدة وذلك أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة واحدة } فقلت : ما صفة ذلك فقال ربيعة : يملك الرجل السلعة بالثمنين عاجل وآجل ، وقد وجب عليه أحدهما كالدينار نقدا والدينارين إلى أجل فكأنه إنما يبيع أحد الثمنين بالآخر فهذا مما يقارب الربا . قال مالك وعبد العزيز : وتفسير ما كره من ذلك أنه ملكك ثوبه بدينار نقدا أو [ ص: 226 ] بدينارين إلى أجل تأخذهما بأيهما شئت وقد وجب عليك أحدهما فهذا كأنه وجب عليك بدينار نقدا فأجزته وجعلته بدينار إلى أجل أو فكأنه وجب عليك بدينارين إلى أجل فجعلتهما بدينار نقدا فكل شيء كره لك أن تعطي قليلا منه بكثير إلى أجل فلا يصلح لك أن تملكهما بذلك يفسخ أحدهما بصاحبه ومن ذلك أن كل شيء كان عليك فلم يصلح لك أن تفسخه في غيره وتؤخره فلا يصلح لك أن تملك ذلك للخيار فيه .

قال : وحدثني وكيع عن إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه في الرجل يشتري من الرجل الثوب بالنقد بكذا وكذا وبالنسيئة بكذا وكذا فقال : الصفقتان في الصفقة ربا . قال ابن وهب : قال يونس : وكان أبو الزناد يقول مثل قول ربيعة في البيعتين بالثمنين المختلفين .

قال مالك : ونهى عنه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أن يشتري بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى شهر .

قال ابن وهب : قال مخرمة ، عن أبيه : وكره ذلك سليمان بن يسار والقاسم وعبد الرحمن بن القاسم ونافع .

قال ابن وهب : عن الليث بن أبي سعد قال : وقال يحيى بن سعيد البيعتان اللتان لا تختلف الناس فيهما ثم فسر من نحو قول ربيعة بن عبد الرحمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية