صفحة جزء
[ ص: 309 ] في بيع الشاة المصراة قلت : أرأيت إن اشتريت شاة مصراة فحلبتها ثم حبستها حتى حلبتها الثانية ثم جئت لأردها أيكون ذلك لي ؟ قال : نعم لك أن تردها وإنما يختبر ذلك الناس بالحلاب الثاني ولا يعرف بالأول .

قلت : فإن حلبتها ثلاث مرات ؟

قال : إذا جاء من ذلك ما يعرف أنه قد اختبرها قبل ذلك فما حلب بعد ذلك فهو رضا منه بالشاة ولا يكون له أن يردها ، قال : وهو رأيي .

قلت : أرأيت إن اشتريت شاة على أنها تحلب قسطا ؟ قال : البيع جائز في رأيي ، وتجرب الشاة فإن كانت تحلب قسطا وإلا ردها ، قال : وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { رد من الغنم ما لم تشترط فيها أنها تحلب كذا } وكذا إذا اشتراها وهي مصراة فهذه أحرى أن يردها إذا اشترط ; لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيا أمسكها ، وإن ردها رد معها صاعا من تمر } .

قلت : أكان مالك يأخذ بهذا الحديث ؟ قال ابن القاسم : قلت لمالك : أتأخذ بهذا الحديث ؟

قال : نعم .

قال مالك : أو لأحد في هذا الحديث رأي ؟ ابن القاسم وأنا آخذ به إلا أن مالكا قال لي : وأرى لأهل البلدان إذا نزل بهم هذا أن يعطوا الصاع من عيشهم ومصر الحنطة هي عيشهم .

قلت : أرأيت المصراة ما هي ؟

قال : التي يترك اللبن في ضرعها ، ثم تباع وقد ردت لحلابها ، فلا يحلبوها ، فهذه المصراة ; لأنهم تركوها حتى عظم ضرعها وحسن درها فأنفقوها بذلك ، فالمشتري إذا حلبها إن رضي حلابها وإلا ردها ورد معها مكان حلابها صاعا ، وقد وصفت لك الصاع الذي يرد عند مالك .

قال ابن القاسم : والإبل والبقر بمنزلة الغنم في هذا ابن وهب ، عن حيوة بن شريح أن زياد بن عبيد الله حدثه : أنه سمع عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : لأن يجمع رجل حطبا مثل هذا الأمرخ يعني جبل الفسطاط ، ثم يحرق بالنار حتى إذا أكل بعضه بعضا طرح فيه حتى إذا احترق دق حتى يكون رميما ، ثم يذرى في الريح خير له من أن يفعل إحدى ثلاث : يخطب على خطبة أخيه ، أو يسوم على سوم أخيه ، أو يصر منحة .

قلت : أرأيت إن حلبها فلم يرض حلابها فأراد ردها واللبن قائم لم يأكله ولم يبعه [ ص: 310 ] ولم يشربه فقال : لي خذ شاتك وهذا لبنها الذي حلبت منها أيكون ذلك له أم يرد الصاع معها ويكون له اللبن أو لا يكون له أن يردها ويرد معها اللبن للحديث الذي جاء ؟ قال : يكون عليه صاع وليس له أن يرد اللبن ، ولو كان له أن يرد اللبن وإنما أريد بالحديث الصاع مكان اللبن إذا فات اللبن لكان عليه أن يرد لبنا مثله في مكيلته ولكنه حكم جاء عن النبي عليه السلام فإذا زايلها اللبن كان المشتري بالخيار إن شاء أن يمسكها أمسكها وإن شاء أن يردها ردها وصاعا معها من تمر وليس له أن يردها بغير صاع وإن كان معها لبن إلا أن يرضى البائع أن يقبلها بغير لبنها .

قلت : فإن قال : البائع أنا أقبلها بهذا اللبن الذي حلبت منها ، قال : لا يعجبني ذلك لأني أخاف أن يكون ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفي ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عليه صاعا من تمر إن سخط المشتري الشاة ، فصار ثمنا قد وجب للبائع حين سخط المشتري الشاة صاع من تمر عليه يفسخه في صاع من لبن قبل أن يقبض الصاع الذي وجب له فهذا لا يجوز في رأيي .

ولم أسمع من مالك فيه شيئا .

قلت : أرأيت إن اشترى شاة للبن ولم يخبره البائع بما تحلب وليست بمصراة في إبان لبنها أيكون للمشتري الخيار إذا حلبها ويكون فيها بمنزلة من اشترى مصراة ؟ قال : أما الغنم التي شأنها الحلاب ، وإنما تشترى لمكان درها في إبان درها فإني أرى إن لم يبين ما حلابها إذا باعها غير مصراة ولم يذكر حلابها وقد كان حلبها البائع وعرف حلابها رأيت : المشتري بالخيار ذلك ; لأن الغنم التي شأنها اللبن إنما تشترى لألبانها ولا تشترى للحومها ولا لشحومها فإذا عرف البائع حلابها ، ثم كتمه كان بمنزلة من باع طعاما جزافا قد عرف كيله وكتمه ، فلا يجوز بيعه إلا أن يرضى المشتري أن يحبس الشاة التي يدفع في ثمنها ويرغب فيها لمكان لبنها ولا يبلغ شحمها ولا لحمها ذلك الثمن ، وإنما تبلغ ذلك الثمن للبنها ، فذلك عندي لموضع لبنها بمنزلة الطعام الذي قد عرف كيله فكتمه فبيع جزافا فإذا باعها صاحبها وهو يعرف حلابها كان قد غره .

قلت : فإن كان لا يعرف حلابها وإنما اشتراها وباعها ؟ قال : لا شيء عليه وهو بمنزلة الطعام الذي لا يعرف كيله .

قلت : أرأيت إن اشترى شاة في غير إبان اللبن ، ثم جاء في إبان اللبن فحلبها فلم يرض حلابها أيكون له أن يردها ؟ قال : لا ; لأن البائع لم يبع على اللبن .

قلت : وإن كانت شاة لبن ؟

قال : وإن كانت شاة لبن .

[ ص: 311 ] قلت : وإن كان البائع قد عرف حلابها قبل ذلك ؟

قال : نعم ; لأنها إذا لم تكن في إبان لبنها اشتريت لغير شيء واحد .

قلت : فالبقر عند مالك بهذه المنزلة التي وصفت لك ؟

قال : إن كانت البقر يطلب منها اللبن مثل ما يطلب من الغنم من تنافس الناس في لبنها ورفعهم في أثمانها للبنها فهي بمنزلة ما وصفت لك في الغنم ، قال : والإبل أيضا إن كانت مما يطلب منها اللبن ، فهي بمنزلة ما وصفت لك من الغنم والبقر .

قلت : وتحفظ هذه الأشياء التي سألتك عنها من أمر الغنم والبقر من مالك ؟

قال : ما أحفظ فيها عن مالك فقد أخبرتك وما لم أخبرك به عن مالك فلم أسمعه منه وهو رأيي .

وأخبرني ابن لهيعة أن الأعرج أخبره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تصروا الإبل والغنم فمن اشتراها بعد ذلك فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر } .

وأخبرني ابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب أنه قال : بلغنا أنه قال : يقضى في الشاة أو اللقحة المصراة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلبها فإن رضي لبنها أخذها وإن سخطها رجعها إلى صاحبها ومدين من قمح أو صاعا من تمر .

يعقوب بن عبد الرحمن الزهري أن سهيل بن أبي صالح أخبره عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من ابتاع شاة مصراة ، فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر } يزيد بن عياض ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، عن إبراهيم النخعي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله

التالي السابق


الخدمات العلمية