صفحة جزء
الصيام في السفر قال ابن القاسم ، قال مالك : الصيام في رمضان في السفر أحب إلي لمن قوي عليه ، قال : فقلت لمالك : فلو أن رجلا أصبح في السفر صائما في رمضان ثم أفطر متعمدا من غير علة ماذا عليه ؟ قال : القضاء مع الكفارة مثل من أفطر في الحضر .

قال : وسألت مالكا عن هذا غير مرة ولا عام ، فكل ذلك يقول لي عليه الكفارة وذلك أني رأيته أو قاله لي ، إنما كانت له السعة في أن يفطر أو يصوم فإذا صام فليس له أن يخرج منه إلا بعذر من الله ، فإن أفطر متعمدا كانت عليه الكفارة مع القضاء . قال فقلت لمالك : فلو أن رجلا أصبح في حضر رمضان صائما ثم سافر فأفطر ؟

قال : ليس عليه إلا قضاء يوم ولا أحب أن يفطر ، فإن أفطر فليس عليه إلا قضاء يوم .

قلت : ما الفرق بين هذا الذي صام في السفر ثم أفطر وبين هذا الذي صام في الحضر ثم سافر من يومه ذلك فأفطره عند مالك ؟

قال قال لنا مالك : أو فسر لنا عنه ; لأن الحاضر كان من أهل الصوم فخرج مسافرا فصار من أهل الفطر ، فمن ههنا سقطت عنه الكفارة ولأن المسافر كان مخيرا في أن يفطر وفي أن يصوم فلما اختار الصيام وترك الرخصة صار من أهل الصيام ، فإن أفطر فعليه ما على أهل الصيام من الكفارة ، وقد قال المخزومي وابن كنانة وأشهب في الذي يكون في سفر في رمضان ثم يفطر : إن عليه القضاء ولا كفارة عليه ، إلا أن أشهب قال : إن تأول أن له الفطر ; لأن الله قد وضع عنه الصيام .

قال أشهب : وإن أصبح صائما في السفر ثم دخل على أهله نهارا فأفطر ، فعليه القضاء والكفارة ولا يعذر أحد في هذا . وقال المخزومي : رأى ابن كنانة فيمن أصبح في الحضر صائما ثم خرج إلى السفر فأفطر يومه ذلك : إن عليه القضاء والكفارة ; لأن الصوم وجب عليه في الحضر ، وقد روى أشهب حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين أفطر وهو بالكديد حين قيل له إن الناس قد أصابهم العطش .

قال ابن القاسم : فقلت لمالك : لو أن رجلا أصبح صائما متطوعا ثم سافر فأفطر أعليه قضاء ذلك اليوم ؟

قال : نعم ، قال : فقلت : فإن غلبه مرض أو حر أو عطش أو أمر اضطره إلى [ ص: 273 ] الفطر من غير أن يقطعه متعمدا ؟

قال : ليس عليه إذا كان هكذا قضاء . وقال : من صام في السفر في رمضان فأصابه أمر يقطعه عن صومه فليس عليه إلا القضاء ، ومن أصبح صائما في السفر متطوعا فأصابه مرض ألجأه إلى الفطر فلا قضاء عليه ، وإن أفطره متعمدا فعليه القضاء .

قلت : أرأيت من أصبح مسافرا ينوي الفطر في رمضان ثم دخل بيته قبل طلوع الشمس فنوى الصيام ؟

قال : لا يجزئه .

قلت : وهو قول مالك ؟

قال : نعم .

قال : وقال مالك : إذا علم أنه يدخل بيته من سفره في أول النهار فليصبح صائما وإن لم يصبح صائما أصبح ينوي الإفطار ثم دخل بيته وهو مفطر فلا يجزئه الصوم وإن نواه ، وعليه قضاء هذا اليوم .

قلت : هل كان مالك يكره لهذا أن يأكل في بقية يومه هذا ؟

قال : لا يكره له أن يأكل في بقية يومه هذا قال : وقال مالك : من دخل من سفره وهو مفطر في رمضان فلا بأس عليه أن يأكل في بقية يومه .

قلت لابن القاسم : أرأيت من أصبح في بيته وهو يريد السفر في يومه ذلك فأصبح صائما ، ثم خرج مسافرا فأكل وشرب في السفر ؟

قال قال مالك : إذا أصبح في بيته فلا يفطر يومه ذلك وإن كان يريد السفر ; لأن من أصبح في بيته قبل أن يسافر وإن كان يريد السفر من يومه فليس ينبغي له أن يفطر .

قال مالك : بلغني أن عمر بن الخطاب : كان إذا علم أنه داخل المدينة من أول يومه وكان في سفر صام فدخل وهو صائم .

ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه أقبل في رمضان حتى إذا كان بالروحاء فقال لأصحابه : ما أرانا إلا مصبحي المدينة بالغداة وأنا صائم غدا فمن شاء منكم أن يصوم صام ومن شاء أفطر .

قلت : فإن أفطر بعدما خرج ؟

قال : قال مالك : عليه القضاء ولا كفارة عليه . ابن وهب ، وأخبرني الحارث بن نبهان عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال : وإن كانوا ليرون أن من صام أفضل .

قال أنس : ثم غزونا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان له ظهر أو فضل فليصم } . ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي مراوح { عن حمزة بن عمرو الأسلمي ، أنه قال : يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه } . ابن وهب قال أخبرني رجال من أهل العلم عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعائشة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر . }

التالي السابق


الخدمات العلمية