صفحة جزء
في استئجار الظئر قلت : أرأيت إن استأجرت ظئرا ترضع صبيا لي سنتين بكذا وكذا درهما ؟ قال : ذلك جائز عند مالك .

قلت : وكذلك إن اشترطت عليهم طعامها ؟

قال : نعم .

قلت : وكذلك إن اشترطت عليهم كسوتها ؟

قال : هذا جائز كله عند مالك .

قلت : فهل يكون لزوجها أن يطأها ؟

قال : قال مالك : إذا آجرت نفسها ظئرا بإذن زوجها لم يكن له أن يطأها .

[ ص: 452 ] قلت : فإن آجرت نفسها ظئرا بغير إذن زوجها أيكون للزوج أن يفسخ إجارتها في قول مالك ؟ قال : نعم .

قلت : فأين ترضعه الظئر ؟

قال : حيث اشترطوا .

قلت : فإن لم يشترطوا موضعا ؟

قال : العمل عندنا أنها ترضع الصبي عند أبويه إلا أن تكون امرأة مثلها لا يرضع في بيوت الناس ومن الناس من هو دنيء الشأن ، فإن طلب مثل هذا أن ترضع صبيه عنده لم يكن ذلك له ; لأنه لا خطب له وإنما ينظر في هذا إلى فعل الناس .

قلت : أتحفظه عن مالك ؟

قال : لا .

قلت : أرأيت الظئورة هل عليهم عمل الصبيان غسل خرقهم ودق ريحانهم ودهنهم وحميمهم وتطييب الصبي ؟ قال : إنما يحملون من هذا على ما يعمل الناس بينهم .

قلت : أسمعته من مالك ؟

قال : لا ولكن مالكا قال في الأجراء : يحملون من هذا على عمل الناس بينهم فأرى هذا أيضا يحمل على ما يعرف من أمر الظئورة عندهم .

قلت : أرأيت إن حملت هذه المرضع فخافوا على الصبي أيكون لهم أن يفسخوا الإجارة ؟ قال : نعم .

قلت : أتحفظه عن مالك ؟

قال : لا ولكنه رأيي .

قلت : لم يكن لهم أن يفسخوا الإجارة ولا يلزموها أن تأتي بمن ترضع هذا الصبي ؟

قال : لأنهم إنما أكتروها بعينها على أن ترضع لهم . قلت : أرأيت إن أرادوا سفرا فأرادوا أخذ صبيهم أيكون ذلك لهم وتفسخ الإجارة ؟ قال : لا يكون لهم أن يفسخوا الإجارة وإن أرادوا أخذ صبيهم لم يكن لهم ذلك إلا أن يوفوها الأجرة .

قلت : وهذا قول مالك ؟

قال : هذا رأيي .

قلت : فلو مات الصبي ؟ قال : قال مالك : إن مات الصبي انقطعت الإجارة فيما بينهما ، وكان لها من الأجر بحساب ما أرضعت .

قلت : ولا يكون لوالد الصبي أنه يؤاجرها أن ترضع غير ابنه أو يأتي بصبي سوى ابنه ترضعه ويكمل لها الأجرة التي شرط لها ؟

قال : لا يكون ذلك له ولا لها إن طلبته ; لأن [ ص: 453 ] مالكا قال : لو أن رجلا آجر دابته من رجل فركبها إلى سفر من الأسفار ، فأراد أن يكريها من غيره . قال : ليس ذلك له ؟

قال : فقلت لمالك : إنه يكريها ممن يشبهه في خفته وثقله وأمانته . قال : ليس ذلك له ; لأن الرجل يكري الرجل الدابة لما يعرف من ناحية رفقه وحسن قيامه وقد تجد الرجل لعله مثله في الأمانة ، والحال لا يكون له من الرفق مثل ما لصاحبه . قال : فلم أره يجعله مثل كراء الحمولة ولا الدار ولا كراء السفينة . قال : في هذا كله يكريه في حمولة مثل حمولته إلى الموضع الذي اكترى إليه والدار له أن يكريها ممن يثق به فيسكن ، والمرضع عندي مثل من اكترى ليركب هو نفسه .

قلت : أرأيت إن كان هذا الذي اكترى هذه الدابة ليركبها هو نفسه وخرج صاحب الدابة مع دابته فأراد المكتري أن يحمل على الدابة من هو أصغر منه وأخف ؟

قال : إنما سمعت من مالك ما أخبرتك به أنه لا يجيزه .

قال : وقال لي مالك : قد كان ههنا رجل بالمدينة يكريني راحلته زمانا لا يعدوني إلى غيري فيها ، فليس الناس كالحمولة .

قال ابن القاسم : وهو رأيي ، فإن أكراها لم أفسخه .

قلت : أرأيت امرأة آجرت نفسها ترضع صبيا لقوم ، وليس مثلها يرضع لشرفها وغناها أيكون لها أن تفسخ الإجارة في قول مالك أم لا ؟ قال : ليس لها أن تفسخ هذه الإجارة ; لأن الإجارة قد لزمتها .

قلت : لم لا يكون لها أن تفسخ هذه الإجارة وهي ممن لا ترضع ولدها إلا أن تشاء ، وكيف لا يكون لها أن تفسخ هذه الإجارة وهي ممن لا ترضع وهي تقول : إني أستحي وليس مثلي يرضع وإن كنت آجرت نفسي ؟

قال : إذا آجرت نفسها فذلك لها لازم ولا ينظر إلى شرفها في الإجارة ، ألا ترى أنها إذا كانت ذات شرف قيل لها : ليس مثلك يرضع إلا أن تشائي ، فإن شئت ذلك لم تمنعي فهي إذا شاءت أن ترضع ولدها كان ذلك لها ، فكذلك إذا آجرت نفسها ، فقد شاءت الإجارة فلا تفسخ هذه الإجارة والإجارة لها لازمة .

قلت : أتحفظه عن مالك ؟

قال : لا وهو رأيي .

قلت : أرأيت إن مرضت هذه الظئر أيكون لها أن تفسخ الإجارة ؟ قال : نعم إن كان مرضا لا تستطيع معه الرضاع ، فإن صحت في بقية من وقت الإجارة خيرت على أن ترضع ما بقي وكان لها من الأجر بقدر ما أرضعت ويحط من إجارتها بقدر ما لم ترضع . [ ص: 454 ] قلت : وهذا قول مالك ؟

قال : قال مالك في الأجير إذا استؤجر سنة : أنه إذا مرض بعض السنة ، ثم صح في بقية السنة أنه يخدم تلك البقية وليس عليه أن يخدم ما مرض ، ولكن يحط عنه من الأجرة بقدر ما مرض وكذلك هذه الظئر عندي ، فإن مرضت حتى تمضي السنتان التي كانتا وقتا لها ، فلا تعود إلى الرضاعة ; لأن وقت الإجارة قد مضى ، وقال غيره : إلا أن يكون فسخ الكراء بينهما فلا تعود عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية