صفحة جزء
في تضمين الأكرياء ما عثرت به الدواب وغير ذلك قلت : أرأيت لو استأجرت جمالا يحمل لي على إبله أو بغالا يحمل لي على بغاله أو حمارا يحمل لي على حميره استأجرته على أن يحمل لي دهني هذا إلى موضع كذا وكذا فعثرت الدواب فسقطت وانكسرت القوارير فذهب الدهن أو كان طعاما فذهب أو انقطعت [ ص: 497 ] الحبال فسقط المتاع ففسد ؟ قال : قال مالك : لا يكون على رب الدابة للكري ولا على رب البعير قليل ولا كثير إلا أن يكون غره من عثارها أو غره من الحبال التي ربط بها متاعه لضعف الحبال ولمعرفة الناس بهذه الحبال أنها لا تثبت هذا المتاع إذا ربط بها فهذا يضمن إذا كان هكذا .

قلت : ولم لا تضمنه إذا عثرت دابته ، وإن لم تكن عثورا ؟

قال : لأنه لم يغره من شيء ولأن كل ما يجيء من قبل الدواب فهو هدر لا شيء فيه ; لأن العجماء جبار إلا أن يكون قد ذعرها رجل أو فعل بها رجل شيئا فأسقطت ما عليها بفعل ذلك الرجل بها ، فيكون ضمانها على الذي فعل ذلك بها .

قلت : أرأيت إن أكذبه رب المتاع والطعام فقال له : لم يضع متاعي ولم تعثر الدابة ولكنك غيبته أيكون القول قوله في قول مالك أم لا ، وقد قال المكري : قد قطع علي الطريق فذهب البز والعروض وعثرت الدواب فتكسرت القوارير وسرق مني الطعام ؟

قال : قال مالك : القول قول الجمال في البز والعروض إذا قال : سرق مني أو قطع علي الطريق أو ادعى تلف المتاع والعروض صدق ، وأما في الطعام والإدام فالقول قول رب الطعام والإدام .

قال ابن وهب : وأخبرني يونس ، عن ابن شهاب أنه قال في رجل استأجر أجيرا يحمل له شيئا فحمل له إناء ووعاء فخر منه الإناء وانفلت منه الوعاء فذهب ما فيه قال : لا أرى عليه غرما إلا أن يكون تعمد ذلك ابن وهب ، عن عقبة بن نافع ، قال يحيى بن سعيد : الجمال عليه ضمان ما ضيع . وأخبرني يونس عن ربيعة أنه قال : كان في رأي المسلمين أن يضمنوا الأكرياء ما حملوا من الطعام ، وكانوا يرون أن يضمنوا الطعام بمنزلة الصناعات فلم يسعهم إلا أن يضمنوا الطعام من حمله والطعام فيما بلغنا يضمنه من حمله ولا يضمن شيئا غيره . قال : وقال ربيعة : وذلك رأيي ، قال ربيعة : وليس البز والمال وأشباه ذلك مثل الطعام ولا يحل أن يضمن المال ولا يجوز ذلك فيه ، ولا ينبغي لأحد أن يأخذ بضمانه شيئا يونس ، عن أبي الزناد أنه قال : لا يصلح الكراء بالضمان [ ص: 498 ] وأخبرني مخرمة ، عن أبيه ، عن ابن شهاب وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر مثل ذلك .

قلت : فلم كان هذا هكذا في الطعام ولم يكن في البز والعروض ، وما فرق بينهما وقد غاب الجمال على جميعه ؟

قال : لأن الطعام أمر ضمنه أهل العلم الأكرياء ولم يجدوا من ذلك بدا ، وأما البز والعروض فهو أمر ائتمنه عليه .

قلت : أتجعله أمينه وقد أعطاه رب البز والعروض على ذلك أجرا ؟

قال : نعم هو أمينه ، قال : وكل شيء دفعته إلى أحد من الناس وأعطيته على ذلك أجرا فهو عند مالك مؤتمن إلا الصناع الذين يعملون في الأسواق بأيديهم فإنهم لم يؤتمنوا على ما دفع إليهم ، وفي الطعام والإدام إذا تكاراه على أن يحمله على نفسه أو على دابته أو على سفينته فهو ضامن للطعام والإدام إلا أن يأتي ببينة يشهدون على تلف الطعام والإدام أنه تلف من غير فعل هذا الذي حمله فلا يكون عليه ضمان ، ولو تكاراه على أن يحمل له البز والعروض على إبله أو على سفينته فادعى أن ذلك المتاع والعروض قد ضاع مني أنه يصدق وهو في المتاع والعروض مؤتمن إلا أن يأتي بأمر يستدل به على كذبه ، وأما الطعام والإدام فهو ضامن لذلك إلا أن يأتي ببينة على هلاكه سحنون ، عن ابن نافع ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن السبعة أنهم كانوا يقولون : لا يكون كراء بضمان إلا أنه من اشترط على كري أنه لا ينزل بمتاعي على بطن واد ولا يسري بليل ولا ينزل أرض بني فلان مع أشباه هذا من الشروط قالوا : فمن تعدى ما شرط عليه فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامن له ، وكانوا يقولون : الغسال والخياط والصواغ وأصحاب الصناعات كلهم ضامنون ; لما دفع إليهم منهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد بن ثابت ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار مع مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل .

قال ابن وهب : وأخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب في الاستكراء بالضمان قال ابن شهاب : قال سالم بن عبد الله - عن أبيه عبد الله - : أنه كان يقول : لا يجوز ذلك ابن وهب قال : وأخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه في رجل استكرى ظهرا أو سفنا يحمل له على أن على الذي حمل له ضمان متاعه ذلك إن أصيب شيء منه ؟

قال : لا يصلح ذلك ولا تباعة على من حمل من ذلك الشرط إن أصيب شيء مما حمل إلا أن [ ص: 499 ] يكون اشترط على المكري شرطا فخالفه ، فإن على المكري إذا تعدى الضمان مثل أن يشترط عليه أن لا ينزل ببطن واد ، ولا يسري بليل ونحو هذا من الشروط ، فإن تعدى فأصيب المتاع ، فإنه يغرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية