صفحة جزء
[ ص: 618 ] في المتفاوضين يشتري أحدهما لنفسه جارية أو طعاما من الشركة قلت : فإن تفاوضا في شراء التجارات كلها ، بمال اشتركا فيه ، وليس لأحدهما مال دون صاحبه ، فاشترى أحدهما جارية ، فقال شريكه : هي بيني وبينك ، وقال المشتري : إنما اشتريتها لنفسي ؟ قال ابن القاسم : هي بينهما ، ولا يقبل قوله ، لأنه إنما اشتراها بما في أيديهما من المال الذي اشتركا فيه . ولو أنه أشهد حين اشتراها ، أنه إنما يشتريها لنفسه ما جاز ذلك له ، ولكان شريكه عليه بالخيار ، لأنهما قد تفاوضا في جميع ما في أيديهما مما يملكان من أموالهما . قلت : أرأيت إن تفاوضا وليس لأحدهما مال دون صاحبه ، ثم اشترى أحدهما جارية للوطء أو للخدمة ، بمال من شركتهما ، أتكون الجارية له أم تكون من الشركة ، لأنه إنما اشتراها بمال الشركة ؟ قال : سمعت مالكا وسأله رجل من أهل المدينة من أصحابه ، في رجلين اشتركا متفاوضين ، كانا يشتريان الجواري . فيشتريان من مال الشركة ، فيشتري هذا الجارية فيطؤها ، فإذا باعها رد ثمنها في رأس المال ، ويفعل شريكه كذلك ، قال مالك : لا خير في هذا . قال : فقيل لمالك : إنه قيل لهما لا خير في هذا ، فكيف يفعلان بما في أيديهما من الجواري مما قد اشتريا على هذا الشراء ؟ قال مالك : أرى أن يتقاوماها فيما بينهما ، فإن اشتراها الذي هي عنده ، كانت عليه برأس مال قد عرفه ، والآخر مثل ذلك ، فيحل له حينئذ أن يطأها .

قلت : ولم لا يكون المشتري من هذين المتفاوضين ، حين اشترى الجارية من مال هو بينهما اشتراها للوطء أو للخدمة ، أن لا يجعله مالك غاصبا للدنانير حتى اشترى بها جارية لغير التجارة ، ويجعل الجارية جاريته ، ويجعل عليه مثل نصف تلك الدنانير ؟ وقد قال مالك في رجل غصب من رجل دنانير ، فاشترى بها جارية ، على أن الغاصب مثل تلك الدنانير ، ولا تكون الجارية للذي غصبت منه الدنانير وإن قال المغصوب أنا آخذ الجارية ، لأنها إنما اشتريت بدنانيري ، لم يكن له ذلك . فما فرق ما بين هاتين المسألتين ؟ قال : فرق ما بينهما ، أن المفاوض مأمور ، لأنه ، كأنه رجل أبضع منه بضاعة ، أمر أن يشتري بها سلعة ، فخالف ، فرب المال مخير في أن يأخذ ما اشترى المبضع معه ، أو يسلمها ويأخذ رأس ماله . فهذا إنما يشتري بمال الشركة ، وهو يرى أن ذلك جائز له . فشريكه مخير إن شاء أنفذها له بما اشتراها المشتري ، وإن شاء قاومه إياها . قال : ولم أسمع من مالك : إن شاء أنفذها له بالثمن ، ولكن هكذا رأيي . قلت : فإن قال : الشريك لا أقاومه ولا أنفذها له ، ولكني أرد الجارية في الشركة ؟ قال : ليس ذلك له ، لأن مالكا قال يتقاومانها . قال سحنون : وقد قال غيره : ذلك له . قلت : فهذا خلاف المبضع معه ، لأن المبضع معه رب المال ، مخير في قول مالك إن [ ص: 619 ] شاء أخذها وإن شاء ضمنه ماله ؟ قال : نعم ، هو مخالف له . وأما هذا المشتري المفاوض فقد وطئ جارية هي بينهما . وقال مالك : لو أن جارية بين رجلين ، وطئها أحدهما ولم تحمل منه ، أنها تقوم عليه يوم وطئها .

فهذا المفاوض لما وطئ لم يكن لهما بد من أن يتقاوماها ، لأنه إنما أخذ مالا بينهما فاشترى به وهو يرى أن ذلك له جائز . وأن المبضع معه إنما اشترى لنفسه ليستأثر بالربح ، وليقطع عن صاحبه منفعة ما أبضع معه فيه . وإنما قلت لك هذا ، لأن التعدي ليس كله بواحد ، ألا ترى لو أن رجلا استودع مالا ، ثم اشترى به جارية ، لم يكن لصاحب الوديعة من الجارية قليل ولا كثير . فهذا أيضا - في هذا الوجه - مخالف للبضاعة والقراض ، وقد كانا جميعا أمينين فيما في أيديهما ، مصدقا قولهما فيما في أيديهما من ذلك ، فلكل متعد سنة يحمل عليها ، فمن غصب دنانير من رجل ، فاشترى بها سلعة ، لم يكن للمغصوب منه إلا مثل دنانيره . ومن استودع دنانير ، فاشترى بها سلعة ، لم يكن لرب الدنانير إلا مثل دنانيره أيضا . ومن أبضع معه أو قورض فخالف ، كان رب المال بالخيار ، وإنما حمل الشريكان ، على أن الجارية التي اشتراها للوطء من مال الشركة ، أنها بينهما فلذلك أمرهما أن يتقاوماها . قلت : والذي ذكرت لي من أمر الغصب الوديعة والقراض والبضاعة إذا تعدوا ، هو قول مالك ؟ قال : نعم .

التالي السابق


الخدمات العلمية