صفحة جزء
قلت : أرأيت ، إن دفعت إلى رجل مالا قراضا ، ثم اشترى بجميعه بزا ، ثم اكترى على البز من ماله ، أي شيء يكون للعامل في القراض ؟ أيكون شريكا بالكراء أم ماذا يكون ، أم تراه دينا في المال القراض ؟ قال : أراه دينا في مال القراض يستوفيه من المال ، وإن لم يبق منه شيء فلا شيء له ، ولا يكون العامل شريكا لرب المال بهذا الكراء . قلت : فإن صبغ البز بمال من عنده ، وقد كان اشترى بجميع مال القراض بزا قال : أما الصبغ فيقال لرب المال : ادفع إليه المال الذي صبغ به ، وإلا كان شريكا معك بما صبغ من الثياب قال : والذي يبين لك الفرق فيما بين الصبغ والكراء ، أن الصبغ رأس مال ، يحسب للصبغ رأس ماله وربحه ، مثل ما يحسب لرأس المال في المال وربحه إذا باعه مرابحة ، ولم يجعل للكراء ربح إلا أنه قال : يحمل الكراء على المال ولا يجعل للكراء ربح .

فإذا لم يكن للكراء في المرابحة ربح ، لم يكن به شريكا ; لأنه غير [ ص: 637 ] سلعة قائمة في البز . وإنما تكون الشركة بينهما في سلعة قائمة ، يكون فيها النماء والنقصان والصبغ سلعة قائمة بعينها ، والكراء ليس بسلعة قائمة ، وإنما الكراء هاهنا سلف أسلفه العامل رب المال فإن رضي رب المال بذلك ، أداه ، وإلا قيل للعامل : اقبضه من مال القراض قال : وقال مالك في الرجل يدفع إلى الرجل ألف دينار قراضا ، فيبتاع بألفي دينار على رب المال : إن رب المال بالخيار ، إن أحب أن يدفع إليه ألف دينار ، وإلا كان المبتاع شريكا . وجعل مالك في الذي يشتري المتاع بمال قراض ، فيتكارى له من عنده ثم يبيعه ، أنه يرجع بالكراء في المال القراض ، إلا أن يكون الكراء أكثر من قيمة المتاع ، فلا يكون له على رب المال شيء أكثر من ثمن المتاع فعلى هذا رأيت لك أيضا الكراء . وعلى قول مالك في الكراء والمرابحة ، حين لم يجعله بمنزلة الشيء القائم بعينه قال سحنون : وقال غيره : إن دفع رب المال إلى العامل قيمة الصبغ ، لم يكن الصبغ على القراض ، وإن أراد أن يضمنه قيمة الثياب ، ضمنه إلا أن يكون فيها فضل ، فيكون له من القيمة قدر رأس المال وربحه . وإن أبى أن يضمنه كان شريكا بقيمة الصبغ من قيمة الثياب وإنما لم ير إن أعطاه قيمة الصبغ أن يكون على القراض الأول ; لأنه لا يجوز لرجل أن يدفع إلى رجل مالا قراضا فيشتري به سلعا ، ثم يدفع إليه مالا آخر قراضا على أن يخلطه المال الأول . فكذلك لا يجوز وإن رضي رب المال أن يعطيه فيه قيمة الصبغ ، فلا أرى أن يكون على القراض ; لأن الصبغ مشترى بعد ما اشترى بالمال الأول الثياب ، والمال الأول ربما ربح فيه ، وربما خسر فيه .

فلما لم يجز في الابتداء أن يعطيه رب المال مالا ثانيا بعد ما أشغل الأول على أن يخلطه ، فكذلك لم يجز أن يجاز فعل العامل بعد ما شغل المال الأول ، بأن يخلط الثاني بالأول والله أعلم . ولا يشبه هذا مسألة مالك ، التي قال في الرجل يعطي الرجل مالا على القراض ، فيزيد العامل من عنده مالا من قبل أن يشتري شيئا ، فيشتري بجميعه سلعة يريد بما زاد سلف رب المال ; لأن المالين جميعا حين اشترى بهما جميعا صفقة واحدة ، بمنزلة ما لو أن صاحب المال زاد العامل قبل أن يشتري شيئا لم يكن بذلك بأس .

التالي السابق


الخدمات العلمية