صفحة جزء
في إيجاب الاعتكاف والجوار وموضع الاعتكاف قلت لابن القاسم : ما الذي يجب به الاعتكاف في قول مالك ؟ فقال : إذا دخل معتكفه ونوى أياما لزمه ما نوى ، قال مالك : وإن نذر أياما يعتكفها لزمه ما نذر . قال مالك : والاعتكاف والجوار سواء ، إلا من نذر مثل جوار مكة يجاور النهار وينقلب الليل إلى أهله ، قال : فمن جاور هذا الجوار الذي ينقلب به الليل إلى منزله فليس عليه في [ ص: 296 ] جواره الصيام .

قلت : أكان مالك يلزم الرجل إذا جاور مكة إذا نوى أن يجاور أن يلزمه الجوار بالنية ؟ فقال : لا إلا أن يكون نذر ذلك . فإن نذر جوارا ولم يرد الاعتكاف وإنما أراد أن يجاور كما وصفت لك ، ينقلب الليل إلى أهله مثل ما يصنع المجاور لمكة لزمه ذلك . قال ابن القاسم : وإنما جوار مكة أمر يتقرب به إلى الله مثل الرباط والصيام .

قلت : فلو أن رجلا نذر جوار المسجد مثل جوار مكة في غير مكة ؟ فقال : يلزمه ذلك في أي البلدان كان إذا كان ساكنا في ذلك البلد ، وإن لم يكن ساكنا فيه فقد قال ابن القاسم في رسم حلف : إن نذر صوما في مثل العراق وشبهه مما ليس فيه قرية بأنه يصوم بمكانه الذي نذره فيه .

قال : وقال مالك : كل من نذر أن يصوم في ساحل من السواحل مثل الإسكندرية أو عسقلان أو بيت المقدس وهو من أهل مكة أو المدينة ، فقال : كل ساحل أو موضع يتقرب بإتيانه إلى الله فأنا أرى أن يصوم ذلك الصيام بذلك الموضع الذي نذره ، وإن كان من أهل مكة أو المدينة .

قال سحنون عن ابن وهب عن النعمان بن سالم قال : كان على جدتي نذر جوار سنة لمكة ، فسألت عائشة فقالت : إنه لا جوار إلا بالصيام استأذني زوجك فإن أذن لك فجاوري .

قال ابن القاسم وقال مالك : ليعتكف المعتكف في عجز المسجد ، قال : فقلنا لمالك : أتعتكف أهل السواحل في سواحلهم وأهل الثغور في ثغورهم ؟ فقال : إن الأزمنة مختلفة ، من الزمان زمان يؤمن فيه لكثرة الجيوش ويأمن الناس فيعتكف المعتكف رجاء بركة الاعتكاف ، قال وقد تكون ليال يستحب فيها الاعتكاف ، قال فقيل له : فإن اعتكف المعتكف في الثغور أو في السواحل وجاءه الخوف ، أيترك ما هو فيه من اعتكافه ويخرج ؟

قال : نعم ، فقيل له : فإذا أمن أيبتدئ أم يبني ؟ فقال : بل يبني وهذا آخر ما قاله ، وقد كان قال قبل ذلك : يبتدئ ثم رجع إلى هذا القول فقال : يبني وهو أحب إلي ، قال : وإن كان في زمن الخوف ، فلا يعتكف ولا يدع ما خرج له من الغزو ويشتغل بغيره من الاعتكاف .

قال سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن يحيى بن سعيد : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية في المسجد } ، قال مالك : ولم أسمع أنه اضطرب بناء يبات فيه ، ولم أره إلا في رحبة المسجد .

قال عقبة بن نافع عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن : إنه كان يكره الاعتكاف في مساجد الموادين ; لأن أهلها رصدة وعدة لها في ليلهم ونهارهم فلا اعتكاف أفضل مما هم فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية