صفحة جزء
في المعتكف يخرجه السلطان لخصومة أو لغير ذلك كارها قال ابن نافع وقال مالك في المعتكف : إن أخرجه قاض أو إمام لخصومة أو لغير ذلك كارها ، فأحب إلي أن يستأنف اعتكافه وإن بنى على ما مضى من اعتكافه أجزأ ذلك عنه ، ولا ينبغي للقاضي ولا للإمام أن يخرج معتكفا لخصومة ولا لغير ذلك حتى يفرغ من اعتكافه ، إلا أن يتبين للإمام أنه إنما اعتكف للواذ فرارا من الحق فيرى في ذلك رأيه .

قال ابن نافع : وسئل مالك عن المعتكف أيدخل الأسواق ليشتري ما يصلحه من عشائه ومما لا بد له منه ؟ فقال : لا يخرج المعتكف من المسجد ليشتري طعاما ولا غير ذلك ، ولكنه يعد قبل أن يدخل ما يصلحه .

قال : ولا أرى للذي لا يقوى أن يعتكف ولا يعتكف إلا من كان مكفيا حتى لا يخرج إلا لحاجة الإنسان لغائط أو لبول ، فإن اعتكف وهو غير مكفي فلا أرى بذلك بأسا أن يخرج يشتري طعامه ثم يرجع ولا يقف مع أحد ولا يحدثه .

قال مالك : والمعتكف مشتغل باعتكافه ولا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه من التجارات أو غيرها ، ولا بأس أن يأمر المعتكف بضيعته وضيعة أهله ومصلحته وبيع ماله أو شيء لا يشغله في نفسه ، كل ذلك لا بأس به إذا كان خفيفا أن يأمر بذلك من يكفيه إياه .

قال مالك : ولم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أحدا من سلف هذه الأمة ولا ابن المسيب ، ولا أحدا من التابعين ولا أحدا ممن أدركت ممن أقتدي به اعتكف ، ولقد كان ابن عمر من المجتهدين وأقام زمانا طويلا فلم يبلغني أنه اعتكف ، إلا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ولست أرى الاعتكاف حراما فقيل لم تراهم تركوه ؟ فقال : أراه لشدة الاعتكاف عليهم ; لأن ليله ونهاره سواء . وقد { نهى رسول الله عن الوصال ، فقالوا له إنك تواصل ؟ فقال : إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني } .

وقد قالت عائشة حين ذكرت القبلة عن رسول الله وهو صائم فقالت : وأيكم أملك لإربه من رسول الله ، وأنهم لم يكونوا يقوون من ذلك على ما كان يقوى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال مالك : أكره للمعتكف أن يخرج لحاجة الإنسان في بيته ، ولكن ليتخذ مخرجا في غير بيته وداره قريبا من المسجد ، وذلك أن خروجه إلى بيته ذريعة إلى النظر إلى امرأته وأهله وإلى النظر في ضيعته ليشتغل بهم ، وقد كان من مضى ممن كان يعتكف ممن يقتدى به يتخذ بيتا قريبا من المسجد سوى بيته ، فأما الرجل [ ص: 300 ] القريب المجتاز فإنه إذا اعتكف خرج لحاجته حيث تيسر عليه ، ولا أحب له أن يتباعد ، وكان أبو بكر بن عبد الرحمن اعتكف فكان يذهب لحاجته تحت سقيفة في حجرة مغلقة في دار خالد بن الوليد ، ثم لا يرجع حتى يشهد العيد يوم الفطر مع المسلمين .

قال : وبلغني ذلك عن بعض أهل الفضل الذين مضوا ، أنهم لا يرجعون حتى يشهدوا العيد مع الناس وهو الذي أرى ، فقيل لمالك : أيذهب إلى بيته فيلبس ثيابه ؟

قال : لا ولكن يؤتى بثيابه إلى المسجد .

قال ابن وهب قال مالك : وبلغني أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان حين يعتكف في وسط الشهر يرجع إلى أهله حين يمسي من اعتكافه } ، قال : وإنما يجلس حتى يصبح من اعتكف في العشر الأواخر ، وتلك السنة أن يشهد العيد من مكانه ثم يرجع إلى أهله .

قال : وقال مالك في حديث أبي سعيد الخدري في الاعتكاف : إن ذلك يعجبني وعلى ذلك رأيت أمر الناس ، أن يدخل الذي يريد الاعتكاف في العشر الأواخر حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ويصلي المغرب فيه ، ثم يقيم فيخرج حتى يفرغ من العيد إلى أهله وذلك أحب الأمر إلي فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية