صفحة جزء
ادعى دارا في يد رجل وأقام بينة وأقام شاهدا واحدا أو لا يقيم شاهدا قلت : أرأيت لو أني ادعيت قبل رجل عبدا ، فأقمت شاهدا واحدا ، فأردت أن آخذ بالعبد كفيلا حتى آتي بشاهد آخر ؟

قال : قال مالك : إذا أقام شاهدا واحدا عدلا ، دفع إليه العبد إذا وضع قيمته ، ذهب به إلى موضع بينته إن أراد وأخذ من يدي الذي هو في يديه .

قال : فقلت لمالك : فإن لم يقم شاهدا ، وادعى بينة قريبة بمنزلة اليوم واليومين والثلاثة ، فقال : ادفعوا العبد إلي حتى أذهب به إلى بينتي وأنا أضع قيمته ؟

قال مالك : لا أرى ذلك له ، ولكن إن أتى بشاهد أو سماع ، رأيت أن يدفع إليه العبد بعد أن يضع قيمته ، ويذهب بالعبد حيث يشهد عليه بينته قال : قلت عند من تشهد تلك البينة ؟

قال : عند السلطان الذي يكون في ذلك الموضع .

قال مالك : ولو جاز ذلك للناس بغير بينة أو سماع اعترضوا أموال الناس ورقيقهم ودوابهم .

قال مالك : ولكن إن أقام شاهدا واحدا ، أو أتى بسماع قوم يشهدون ، أنهم قد سمعوا أنه قد سرق له مثل ما يدعي ، فإنه يدفع إليه إذا وضع قيمته وإن لم تكن شهادة قاطعة ، كذلك قال مالك .

قال مالك : وإن لم يأت بسماع ولا بشهادة لم يدفع إليه .

قلت : أرأيت إن قال : أوقفوا العبد حتى آتي ببينتي ؟

قال : لا ، ليس ذلك له إلا أن يقول للقاضي : إن بينتي حضور أو سماع ، يثبت له به دعوى . فإن القاضي يوكل بالعبد ويوقفه حتى يأتيه بالبينة ، أو بما يثبت به دعوه فيما قرب من يومه وما أشبهه ، فإن أتى على ذلك برجل أو سماع ، ثم سأل أن يوقف له العبد حتى [ ص: 43 ] يأتي ببينته ، فإن ادعى بينة بعيدة وفي إيقافه مضرة على المدعى عليه ، استحلف السلطان المدعى عليه وخلى سبيله ، ولا يأخذ عليه كفيلا . وإن ادعى شهودا حضورا على حقه ، رأيت أن يوقف له ما بينه وبين الخمسة إلى الجمعة ، وهذا التحديد في الوقف ليس لابن القاسم .

قال ابن القاسم : ثم يوقف له ; لأن مالكا حين قال : يدفع إليه ، رأيت الوقف له إذا قال الطالب : أنا آتي ببينتي ، إذا كان قد أثبت بسماع قد سمعوا ، أو جاء بشاهد .

قال : فقلت لمالك : فإن أوقفته ، فعلى من النفقة ، أعلى الذي هو في يديه أم على الطالب ؟

قال : على الذي يقضى له به . وقال غيره : وإنما توقف هذه الأشياء ; لأنها تحول وتزول . وإنما يشهد على عينها وكذلك هذا في كل ما ادعي بعينه من الرقيق والحيوان والعروض .

قلت : أرأيت إن كانت دورا أو أرضين أو نخلا أو فاكهة ، أو ما يكون له الغلة ، لمن الغلة التي تغتل منها في قول مالك ، وهل توقف هذه الأشياء ؟

قال : الغلة للذي كانت في يديه حتى يقضى بها للطالب ; لأنها لو هلكت كان ضمانها من المطلوب .

قال سحنون : وهذا إذا كان المطلوب مشتريا ، أو صارت إليه من مشتر .

قال ابن القاسم : وإنما الوقف فيما يزول ، فأما الرباع التي لا تزول ولا تحول ، فليست توقف مثل ما يزول ، ولكن توقف وقفا يمنع من الأحداث فيها . سحنون : وقال غيره : إذا كلف المدعى عليه ما ينتفع به بما يثبت المدعي ، وقفت هذه الأشياء حتى يقضى بها أو لا يقضى بها . وقال غيره : فإن ادعى عليه دينا أو شيئا مستهلكا ، وسأل القاضي أن يأخذ له منه كفيلا ، فإن القاضي يسأل الطالب : هل له بينة على مخالطة أو حق أو معاملة أو ظنة . فإن قال : نعم ، رأيت أن يسأله : أحضور هم أم غيب ؟ فإن قال : هم حضور ، فإن كانوا على المخالطة والمعاملة والظنة ; رأيت أن يوكل بالرجل حتى يأتي بالبينة على ما يستحق به اللطخ ، فيما قرب من يومه وما أشبهه ، فإن أتاه بهم وغيبة شهوده على الحق غيبة تبعد رأيت أن يستحلف القاضي المدعى عليه ، ولا يأخذ عليه كفيلا . فإن ادعى شهودا حضورا على حقه ، رأيت أن يأخذ له به كفيلا بنفسه ما بينه وبين الخمسة الأيام والسبعة إلى الجمعة . فإن قال المدعي للقاضي : خذ لي منه كفيلا بالمال ، أو بالعقار إن قضيت لي به عليه ، لم يأخذ منه كفيلا بذلك المال ، إنما يأخذ الكفيل ، ويوقف الحيوان والعروض ; لأنه يحتاج الشهود إلى حضوره ليشهد عليه الشهود بعينه ، فلذلك أخذ منه كفيلا كما يأخذ كفيلا بنفسه بمحضر ، فشهد عليه الشهود . فأما ما لم يحتج الشهود إلى حضوره ليشهدوا عليه ، فإن القاضي لا يأخذ منه كفيلا به ، وإن كان الذي ادعى المدعي ما لا يبقى ويسرع إليه الفساد ، مثل الفاكهة الرطبة واللحم ، وأقام لطخا لم يوجب به إيقافه أو بينة ، ولم يعرف القاضي البينة ، فاحتاج إلى المسألة عنهم ، فقال الجاحد للقاضي وهو البائع أو المشتري وهو [ ص: 44 ] المدعي : أنا أخاف فساده وإن لم يقولاه له إن ترك حتى يزكي البينة ، فإن كان إنما يشهد للمدعي شاهد واحد وأثبت لطخا وقال : لي بينة حاضرة ، فإن القاضي يؤجل للمدعي بإحضار شاهده إذا قال عندي شاهد .

ولا أحلف أو بينة ما لم يخف الفساد على ذلك الذي ادعى عليه أو اشترى ، فإن أحضر ما ينتفع به وإلا خلى ما بين المدعى عليه وبين متاعه ، إن كان هو البائع ، ونهى المشتري أن يعرض له . وإن كان أقام شاهدين ، وكان القاضي ينظر في تعديلهما وخاف عليه الفساد ، أمر أمينا فباعه وقبض ثمنه ، ووضع الثمن على يدي عدل ، فإن زكيت البينة ، قضى للمشتري بالذي بيعت به السلعة إن كان هو المدعي ، وأخذ من المشتري الثمن الذي شهدت به الشهود فدفع إلى البائع ، كان أقل أو أكثر ، ويقال للبائع : أنت أعلم بما زاد ثمن المشتري الذي جحدته البيع عن ثمن سلعتك التي بعت ، فإن لم تزك البينة على الشراء أخذ القاضي الثمن ، فدفعه إلى البائع ; لأن بيع القاضي إنما كان نظرا منه ، فطاب للبائع . وإن ضاع الثمن قبل أن يقضي به لواحد منهما ، فهو لمن قضى له به ، ومصيبته منه كان تلفه قبل الحكم أو بعد الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية