صفحة جزء
قلت : أرأيت إن أقمت البينة أن هذه الدار دار أبي وجدي ولم يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لي أيقضي لي بها السلطان في قول مالك أم لا ؟

قال : لا ، حتى يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لا يعلمون أنه أحدث فيها شيئا ، ولا خرجت عن يده . وجل الدور تعرف لمن كان أولها ، ثم قد تداولها أقوام بعد ذلك . فهم إن شهدوا يشهدون ولا علم لهم بما كان فيها ، ولا تجوز شهادتهم حتى يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره ، إذا شهدوا أن هذا وارث جده أو وارث أبيه .

قلت : أرأيت إن شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده مع ورثة آخرين ؟

قال : لا يعطى هذا إلا حظه .

قلت : فحظوظ إخوته ، أتؤخذ من يد هذا الذي هي في يديه ، فيضعها السلطان على يدي عدل ؟

قال : أرى أن لا يعطى لهذا منها إلا بمقدار حظه وما استحق من ذلك ، ويترك السلطان ما سوى ذلك في يدي المدعى عليه ، حتى يأتي من يستحقه ولا يخرجه من يديه .

قال سحنون : وقد كان يقول غير هذا . وروى أشهب عن مالك أنه قال : ينتزع من يد المطلوب ويوقف .

قلت : أرأيت لو أن قوما شهدوا على أن هذه الدار دار جدي ، وأن هذا المولى مولى جدي ، ولم يحددوا المواريث ، لم يشهدوا أن جدي مات فورثه أبي وأن أبي مات فورثته أنا ؟

قال : سأل مالكا بعض أصحابنا وسمعته يسأل عن الرجل يقيم البينة أن هذه الدار دار جده ، ويكون فيها رجل قد حازها منذ سنين ذوات عدد ؟

قال : قال مالك : أما إن كان الرجل المدعي حاضرا ، فلا أرى له فيها حقا لأجل حيازته إياها ، إذا كان قد حازها سنين ذوات عدد ، وأما إذا كان المدعي غائبا وثبتت المواريث حتى صارت [ ص: 51 ] له ، فإني أرى أن يسأل الذي هي في يديه من أين صارت له ، فإن أتى ببينة على شراء أو سماع على الاشتراء ، وإن لم يكن أحد يشهد على معاينة الشراء ولا من يشهد على البتات إلا على السماع ، فأرى الشهادة جائزة للذي هي في يديه بالسماع بالاشتراء ، وإن لم يكن في أصل الشهادة شهادة تقطع على البيع .

قال مالك : لأن ههنا دورا تعرف لمن أولها قد بيعت ، ولا يوجد من يشهد على أصل الشراء إلا بالسماع ثم قال لنا : تلك منها هذه الدار التي أنا فيها ، قد باعها أهلها وليس أحد يشهد على أصل الشراء إلا بالسماع فإذا أتى الذي في يديه الدار بأصل الشراء ، أو بقوم يشهدون على سماع الاشتراء فذلك .

قلت : فإن لم يأت الذي في يديه الدار بشيء من هذا ، لا بقوم يشهدون على السماع ، ولا بقوم يشهدون على الشراء أتجعلها للذي أقام البينة أنها لجده على ما ثبت في قول مالك ؟

قال : قال مالك : نعم ، تكون للذي أقام البينة أنها لجده إذا كان غائبا .

قلت : وشهادة السماع ههنا إنما هو أن يشهدوا أنهم سمعوا أن هذا اشترى هذه الدار من جد هذا المدعي ، قال : إذا تقادم ذلك ; جازت شهادتهم على السماع وإن كان المشتري حيا ; لأن المشتري يشتري ويتقادم ذلك حتى يكون لشرائه هذا أربعون سنة أو خمسون سنة أو ستون سنة أو نحو ذلك . ولم أوقف مالكا على أنه هو اشتراه بعينه ، إلا أن الذي ذكر لي مالك ، إنما هو في الشراء الذي يتقادم .

قال : وأما في الولاء ، فإن مالكا قال : أقضي بالسماع إذا شهدت الشهود على السماع أنه مولاه بالمال ، ولا أقضي له بالولاء .

قلت : أرأيت إن أقام البينة أن الدار دار أبيه ، وقالت البينة لا نعرف كم الورثة ، أيقضى له بشيء من الدار في قول مالك ؟ وكيف إن قال الابن إنما أنا وأخي ليس معنا وارث غيرنا ، أو قال : أنا وحدي الوارث ليس معي وارث غيري ، أيصدق في قول مالك ؟

قال : لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا ، ولا أرى أن يقضي له السلطان بشيء حتى يقيم البينة على عدة الورثة .

قلت : أرأيت إن أقمت البينة على أنها دار جدي ، ولم يشهد الشهود أن جدي مات وتركها ميراثا لأبي ، وأن أبي مات وتركها ميراثا لورثته ، ولم يحددوا المواريث بحال ما وصفت لك ؟

قال : سألنا مالكا عنها فقال : ينظر في ذلك ، فإن كان المدعي حاضرا بالبلدة التي الدار فيها ، وقد حيزت دونه السنين يراهم يسكنون ، ويحوزون بما تحاز به الدور ، فلا حق له فيها . وإن كان لم يكن بالبلد التي الدار بها ، وإنما قدم من بلاد أخر فأقام البينة على أنها دار أبيه أو دار جده وثبتت المواريث ، وسئل من الذي الدار في يديه ، فإن أتى ببينة على أصل الشراء ، أو الوجه الذي صارت به إليه ، أو سماع من جيرانه أو من غير جيرانه أن جده أو والده كان اشترى هذه الدار ، أو هو بنفسه إذا طال الزمان فقالوا : سمعنا أنه اشتراها وههنا دور تعرف لمن أولها وقد تقادم الزمان ، وليس على أصل الشراء بينة وإنما هو سماع من الناس أن فلانا قد اشترى هذه [ ص: 52 ] الدار وإن لم تثبت يعني المواريث لم يسأل الذي الدار في يديه عن شيء .

قلت : أرأيت إن أتى الذي في يديه الدار ببينة ، يشهدون أنهم سمعوا أن هذا الرجل الذي في يديه الدار أنه اشترى هذه الدار ، أو اشتراها جده أو اشتراها والده ، إلا أنهم قالوا سمعنا أنه اشتراها ولكنا لم نسمع بالذي اشتراها منه من هو ؟ .

قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا ، ولا أرى ذلك حتى يشهدوا على سماع صحة أنه اشتراها من فلان أبي هذا المدعي أو جده .

التالي السابق


الخدمات العلمية