صفحة جزء
في المفلس يريد بعض غرمائه حبسه وتفليسه ويأبى بعضهم قلت : أرأيت إن قال بعضهم : نحن نسجنه ، وقال بعضهم : نحن لا نسجنه ، ولكنا نحبسه بطلب الفضل حتى يقضينا حقوقنا ؟

قال : إذا تبين الإلداد للسلطان ، وطلب واحد من الغرماء أن يحبسه له سجنه ، فإن شاء أولئك الذين لم يريدوا أن يحبسوه ، أن يقوموا على حقوقهم فيحاصوا هذا الغريم الذي حبسه في مال المحبوس المطلوب فذلك لهم ، وإن شاءوا أخذوه ، وإن شاءوا أقروه في يدي المطلوب ، ولا يكون للغريم الذي سجنه وأخذ حقه أن يأخذ هذا الذي رده أصحابه في يد المطلوب وأقروه ، إلا أن يفيد مالا غيره ، أو يكون فيه ربح فيأخذ حقه من ذلك ويكون هو وهم في ذلك المال الذي يفيده أسوة فيما بقي من [ ص: 80 ] دينهم .

قلت : وهذا قول مالك كله ؟

قال : هو قوله لي إلا قولي لك : أو يربح فيما أقر في يديه ، فإنه رأيي .

قلت : أرأيت الذي ذكرت من المحبوس في الدين ، إذا طلبه واحد من الغرماء بحقه فسجنه وقال بقية الغرماء : نحن نخليه ؟

قال : يحاصون هذا الغريم الذي سجنه إن أحبوا ، ثم إن أرادوا ردوا ما صار لهم في المحاصة في يد المطلوب ، فكان في يديه . ولم يكن للغريم الذي لم يرد إليه ما اقتضى من حقه من هذا الذي رده هؤلاء على المطلوب شيء إلا أن يفيد مالا .

قلت : أرأيت إذا أفاد مالا ، والذي رد الغرماء عليه قائم في يده ، فأراد الذي لم يرد عليه شيئا أن يقتضي حقه مما أفاد ؟

قال : يقتضي حقه مما أفاد ، ولا يقتضي ما رد عليه أصحابه شيئا ، ويحاصه أصحابه في الذي أفاده المطلوب .

قلت : أفيحسب عليهم هذا الغريم الذي لم يرد على المطلوب ما في يد الغريم المطلوب من دينهم الذي أخذوه وردوه إليه ، ثم يحاصهم بما بقي لهم بعد ذلك في هذا الذي أفاد هذا المطلوب إن كان هذا الذي ردوا قائما بعينه ؟ قال : نعم ، كذلك هؤلاء يحاسبونه بما ردوا إليه ، فإن كان ذلك نصف حقوقهم وكان كفافا اليوم ، لما ردوا إليه ذلك اليوم ; لأن ردهم إليه المال الذي أخذوا منه ، كأنه بيع حادث بايعوه فينظر إلى مبلغ الذي ردوا ما هو اليوم من حقوقهم التي ردوا ، فإن كان أقل ، ضربوا بما نقص وبما بقي لهم قبل ذلك في هذه الفائدة . سحنون : ويحاصهم الأول الذي لم يرد إليه شيئا في ذلك بما بقي له من دينه الأول ، وكذلك لو ذهب ما ردوا إليه جميعه ، ثم أفاد مالا حاصوا الذي لم يرد إليه شيئا في هذه الفائدة بجميع دينهم ، ويضربون هم فيها بجميع دينهم ما ردوا إليه وما بقي لهم قبل ذلك ، ويضرب فيها الذي لم يرد إلى المطلوب شيئا بما بقي من جميع دينه .

قلت : وهذا قول مالك ؟

قال : هذا رأيي .

قال : قال مالك : من أراد أن يقر حقه في يد المفلس أقره ، ومن شاء أن يأخذه أخذه .

قال مالك : وليس للذين اقتضوا أن يرجعوا فيما ترك هؤلاء في يد المفلس مما حاصوهم ; لأنه بمنزلة ما داينوه بعد التفليس . ألا ترى لو أن مفلسا داينه قوم بعد التفليس ، أن الذين داينوه بعد التفليس أولى بما في يديه من الذين فلسوه ، إلا أن يكون فيما في يديه فضل عن حقوق الذين داينوه بعد التفليس الأول ؟ فكذلك الذين ردوه إليه حصصهم أحق بما في يديه حتى يقبضوا ما ردوا إليه ، إلا أن يفضل فضله فيتحاص فيها من لم يرد ومن رد بما بقي لهم عند التفليس الأول . ومما يبين لك ذلك ، لو أن ما رد الذين ردوا على المفلس نقص ، ذلك بعدما ردوه إليه ، حاصوا الغرماء بما نقص مما ردوا بما بقي لهم من حقوقهم في المحاصة الأولى في فائدة ، إن كانت من هبة أو صدقة أو ميراث ، والهبة والصدقة والجناية والميراث في هذا بمنزلة واحدة سواء .

قال : وما كان من فائدة ، فالذين فلسوه والذين داينوه في ذلك أسوة الغرماء [ ص: 81 ] فيما لهم عليه من الدين .

قال : وهذا قول مالك . فهذا أيضا يدلك على ذلك كله .

التالي السابق


الخدمات العلمية