صفحة جزء
قلت : أرأيت إن تجر المفلس في المال الذي رده عليه غرماؤه وربح فيه ، أيكون هذا الربح بمنزلة الفائدة ، يشرع فيه جميع الغرماء ؟

قال : نعم ; لأن مالكا قال : ما داينه الآخرون بعد الأولين ، فالآخرون أولى به إلا أن يفضل من دينهم فضلة ، فيكون الأولون والآخرون يتحاصون فيه بقدر ديونهم ، فما أقر هؤلاء في يديه بمنزلة ما لو داينه غيرهم بعد التفليس ، وما بقي في يديه بعد الذي أقروا في يديه فهو بمنزلة ما لو فضل في يديه ، بعد مداينة هؤلاء الذين داينوه بعد التفليس .

قلت : وإنما ينظر إلى ما بقي في يديه فيقيمه قيمة إن كان عروضا ، فما كان فيه من فضل عن الدين الذي تركوا في يديه ، فذلك لفضل الذي يشرع فيه الغرماء بما بقي لهم يوم فلسه هؤلاء جميعا في قول مالك ؟

قال : نعم . وحدثنا سحنون عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، أن معاذ بن جبل وهو أحد قوم بني سلمة كثر دينه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماءه على أن خلع لهم ماله . ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية ويزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب قال : مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاذ بن جبل بأن خلعه من ماله ولم يأمره ببيعه ، في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة . ابن وهب عن عمرو بن الحارث والليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري أنه قال : أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تصدقوا عليه ، فتصدق عليه ، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك } .

قال مالك : الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه ، أن الحر إذا أفلس لا يؤاجر ، لقول الله تبارك وتعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } سورة البقرة مالك وعبد الله بن عمرو عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني عن أبيه : أن رجلا من جهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل ، فيغلي ثم يسرع السير فيسبق الحاج ، فأفلس . فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب فقام عمر فقال : أما بعد أيها الناس ، فإن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال له سبق الحاج . ألا وإنه قد كان معرضا فأصبح قد دين به ، فمن كان له عليه حق فليأتنا بالغداة حتى نقسم ماله بين غرمائه بالغداة . ثم إياكم والدين فإن أوله هم وآخره حزن . سحنون عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز قضى في رجل غرق في دين ، أن يقسم ماله بين الغرماء ويترك حتى يرزقه الله . الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد مثل ذلك . حدثنا سحنون عن ابن وهب عن يونس عن ربيعة أنه قال : إذا فلس الرجل [ ص: 82 ] وتحاص غرماؤه ماله ، فمن بايعه بعد ذلك فإنما بايعه في غير أموال الغرماء الذين فلسوه ، وإنما بايعوه في ذمته وفيما يستقبل من رزق الله وإفادته ، فإن أعدم الثانية ، فالذين بايعوه بعد عدمه الأول ، أحق بماله فيتحاصون فيه دون الغرماء الأولين ، إلا أن يكون عقل في ذمة أو ميراث ورثة فأما كل عمل أداره أو كان مما رجعت به الأرزاق عليه ، فهو للذين بايعوه بعد عدمه ; لأن ذلك لهم خاصة لما خرجت فيه أموالهم ; لأنه لم يكن يستطيع أن يبلغ في الناس إلا بمعايشة من عايشه ومداينة من داينه وابتغائه الرزق من ربه بالإدارة والتجارة . فأما الذين يفلسون غريمهم ، فإن حقوقهم تدخل في فضول إن كانت بيديه بعد قضاء حقوق الآخرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية