صفحة جزء
[ ص: 97 ] في الحميل بالوجه لا يغرم المال قلت : أرأيت إن قال : أنا أتكفل بوجهه إلى أجل كذا وكذا ، فإن لم آت به وإلا فعلي طلبه حتى آتي به فأما المال فلا أضمنه . أيكون عليه من المال شيء إن مضى الأجل ولم يأت به في قول مالك ؟

قال : قال مالك : لا شيء عليه ويكون كما اشترطه .

قلت : أرأيت إن تكفلت لرجل بوجه رجل إلى كذا وكذا ، فإن لم أوافه به إلى ذلك الأجل فلا شيء له علي من المال ، ولكنني حميل له بوجهه أطلبه حتى آتيه به .

قال : قال مالك : هو على شرطه الذي اشترطه ، ليس عليه إلا طلب وجهه هو شرط لنفسه ما ذكرت . وقال غيره : إذا تحمل الرجل بالرجل أو بالحق أو بعينه ، فالحمالة لازمة كالدين وذلك كله سواء ، إلا أنه إذا تحمل بالرجل أو بالعين ولم يقل بالمال ، فجاء بالرجل فقد برئ من جميع حمالته ، وإن لم يأت به أغرم الحميل كما يغرم من تحمل بالمال . فالحمالة بنفس الرجل وبالمال سواء ، إذا لم يأت بالرجل ، وحميل المال لا يبرئه أن يأتي بالرجل .

ومن اشترط في الحمالة بالوجه أني لست من المال في شيء ، فإنه لا يكون عليه من المال شيء ، أجاء بالرجل أو لم يأت به ; لأن المحمول له لم يؤكد ما ينتفع به إلا أن يكون ذلك الذي اشترط لنفسه أني لست من المال في شيء ، كان قادرا على الإتيان بالرجل الذي تحمل به ، ففرط في ذلك وتركه وهو يمكنه حتى غاب ، فيكون قد غرم ولم يؤخذ بذلك ، وإنما أخذ ليجمعه على صاحبه - وليس هذا من شروط المسلمين - وإن تحمل بعين الرجل فلم يأت به إلى الأجل الذي تحمل به إليه ، فطلبه منه المحمول له ، ورفعه إلى الحاكم ، فلم يقض عليه بالمال حتى أتى به ، فقد برئ من المال ومن عين الرجل ، وإن حكم عليه بالمال حين لم يأت بالرجل على قدر ما رآه السلطان ، فقد لزمه المال ومضى الحكم ، وإن حبس الغريم المحمول بعينه في الحبس ، وقد كفل به رجل فأخذ به فدفعه إليه وهو في السجن ، فقد برئ الحميل ; لأنه يقدر على أخذه في السجن ، فيحبس له في حقه . وإن كان قد انقضى ما سجن فيه فهو يحبس له في حقه .

وكذلك إذا أمكنه منه في موضع حكم وسلطان ، فإنه يبرأ . وإن دفعه في موضع لا يستطيع حبسه ولا يبلغ به سلطانا ; لأنه موضع لا سلطان فيه ، أو في حال فتنة أو في مفازة أو في موضع يقدر الغريم على الامتناع ، لم يبرأ منه حتى يدفعه حيث تمضي الأحكام ويكون السلطان ، وإن كان غير بلده ; لأنه إنما تكفل له بنفسه فقد أمكنه من نفسه في السجن ، أو حيث تجوز الأحكام . وكذلك لو مات الغريم ; لأنه إنما تحمل له بنفسه ، وهذه نفسه قد ذهبت وإنما تحمل به ما كان حيا وإن كان أخذ الحميل بالغريم - والغريم غائب - فحكم على الحميل وأغرم المال ، ثم طلعت للحميل بينة أن الغريم كان ميتا قبل أن [ ص: 98 ] يحكم على الحميل ، ارتجع ماله ; لأنه لو علم أنه ميت حين أخذ به الحميل لم يكن عليه شيء ; لأنه إنما تحمل له بنفسه ، وهذه نفسه قد ذهبت . وإنما تقع الحمالة بالنفس ما كان حيا . ولو أن الغريم أمكن الطالب من نفسه ، وأشهد أني قد دفعت نفسي إليك من حمالة فلان بي ، وهو في موضع يقدر عليه يبرئه ذلك ، وكان كأنه دفعه إليه رجل أجنبي ليس بوكيل للحميل ، ولا يبرأ الحميل حتى يدفعه هو نفسه أو وكيله . وإن أبى الطالب أن يقبل ذلك ، فأشهد عليه الحميل أو وكيل الحميل ، فقد برئ الحميل . وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { الحميل غارم } وقال أيضا : { الزعيم غارم } والزعيم هو الحميل . فإذا قال : أنا ضامن لك ، أو حميل لك ، أو قبيل لك ، أو زعيم لك ، أو هو لك عندي ، أو هو لك علي ، أو هو لك إلي ، أو هو لك قبلي ، فهذا كله ضامن لازم . والضمان حمالة والحمالة لازمة كالدين وإن كان في هذه الوجوه كلها يريد الحق فهو لازم . وإن كان يريد الرجل فهو لازم ، فخذ هذا على هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية