صفحة جزء
اكتري أرضا فزرعها ثم استحقها رجل في أيام الحرث وغير أيام الحرث قلت : أرأيت إن اكتريت من رجل أرضا سنة واحدة بعشرين دينارا لأزرعها ، فلما فرغت من زراعتها - وذلك في أيام الحرث بعد ، فأتى رجل فاستحقها ، أيكون له أن يقلع الزرع في قول مالك أم لا ؟

قال : ليس له أن يقلع زرع هذا الزارع إذا كان الذي أكراه الأرض لم يكن غصبها ، وكان المكتري لم يعلم بالغصب ; لأنه زرعها لأمر كان يجوز له ولم يكن متعديا .

قلت : ولم لا يكون هذا الذي استحق أن يقلع زرع هذا الزارع ، وقد صارت الأرض أرضه ؟

قال : قد أخبرتك ; لأن هذا الزارع لم يزرع غاصبا وإنما زرع على وجه شبهة . وقد قال مالك فيمن زرع على وجه شبهة : إنه لا يقلع زرعه ويكون عليه الكراء .

قلت : فلمن يكون هذا الكراء ، وقد استحقها هذا الذي استحقها في إبان الحرث وقد زرعها المتكاري ؟

قال : إذا استحقها في إبان الحرث ، فالكراء للذي استحقها . كذلك قال لي مالك بن أنس ; لأن مالكا قال : من زرع أرضا بوجه شبهة ، فأتى صاحبها [ ص: 194 ] فاستحقها في إبان الحرث ، لم يكن له أن يقلع الزرع وكان له كراء الأرض على الذي زرعها ، فإن استحقها وقد فات إبان الزرع ، فلا كراء له فيها ، وكراؤها للذي اشتراها أو ورثها ، وهو بمنزلة ما استغل قبل ذلك أو زرع أو سكن . وإن كان غصبها الزارع ، قلع زرعه إذا كان في إبان تدرك فيه الزراعة ، وإنما يقلع من هذا ما كان على وجه الغصب . فأما ما كان على وجه شبهة ، فليس له أن يقلعه وإنما يكون للذي استحق الكراء .

قلت : فإن مضى إبان الحرث وقد زرعها المكتري ، أو زرعها الذي اشترى الأرض ، فاستحقها رجل آخر ، أيكون له من الكراء شيء أم لا ؟

قال : لا يكون له من الكراء شيء ; لأن الحرث قد ذهب إبانه .

قلت : وتجعل الكراء للذي أكراها ؟

قال : نعم .

قلت : وهذا قول مالك ؟

قال : نعم فيما بلغني إذا لم يكن غصبها قال : وهذا بمنزلة الدار يكريها فيأخذ غلتها ، ويسكن هذا المتكاري حتى ينقضي أجل السكنى ، ثم يستحقها مستحق بعد انقضاء السكنى ، فيكون الكراء للذي اشترى الدار وأكراها ; لأنه صار ضامنا للدار . فالأرض إذا ذهب إبان الحرث ، بمنزلة ما وصفت لك في كراء الأرض . والدار إذا انقضى أجل السكنى فاستحقها رجل ، كذا سمعت إذا لم يكن غاصبا .

قلت : أرأيت إن كان هذا الذي أكرى ، لا يعرف أنه اشتراها فأكراها وزرعها المتكاري ، فأتى رجل فاستحقها في إبان الحرث ؟

قال : هو بمنزلة ما لو أنه اشتراها حتى يعلم أنه غصبها ; لأن مالكا قال : من زرع على وجه شبهة فليس لمن استحق الأرض أن يقلع زرعه .

قلت : أرأيت إن كان إنما ورث الأرض عن أخيه ، فأتى رجل فادعى أنه ابن أخيه وأثبت ذلك - وذلك في إبان الحرث - أيكون له أن يقلع الزرع ؟

قال : ليس له أن يقلع الزرع ولكن له الكراء .

قلت : فإن كان قد مضى إبان الحرث فاستحق الأرض ، لمن يكون الكراء ؟

قال : أما في الموارثة ، فأرى الكراء للذي استحق الأرض كان في إبان الحرث أو غير إبان الحرث ; لأن ضمانها إنما كان من الذي استحق الأرض ; لأن الأرض لو غرقت أو كانت دارا فانهدمت أو احترقت لم يضمنها هذا الذي كانت في يديه ، وإنما كان ضمانها من الغائب الذي استحقها . فلذلك كان له الكراء ; لأن ضمانها كان في ملكه . وإن الذي اشترى الدار أو ورثها من أبيه فاستحقها رجل بغير وراثة دخل معه ، فإنما له الكراء من يوم استحقها على ما وصفت لك ، ولا كراء له فيما مضى . وإنما الذي يرجع على الورثة في الكراء والغلة ، الذي يدخل بسبب مع من كانت في يديه ، يكون هو وأبوهم ورثوا دارا . فأما أن يستحقها بوراثته وقد كانت في يدي غيره بغير وراثة ، فإنه لا حق له إلا من يوم استحق إلا أن يعلم أنه كان غاصبا ، وهو الذي سمعت واستحسنت وفسر لي .

التالي السابق


الخدمات العلمية