صفحة جزء
فيمن اشترى وديا فصار نخلا ثم استحق بالشفعة قلت : أرأيت لو أن رجلا اشترى نخلا صغارا وديا ، فلم يأت الشفيع ليأخذ بالشفعة حتى صار نخلا كبارا بواسق ، فجاء الشفيع يطلب الشفعة ؟

قال : يغرم قيمة ما عمل المشتري ، ويأخذ الشفيع النخل وإن كانت قد كبرت . قلت : أرأيت إن اشترى أرضا وزرعا صفقة واحدة لم يبد صلاحه ، ثم جاء الشفيع فاستحق الشفعة بعدما طاب الزرع ، أيكون للشفيع في الزرع الشفعة أم لا ؟

قال : لا شفعة له في الزرع . قلت : فبم يأخذ الشفيع الأرض ، أبجميع الثمن أم يوضع عن الشفيع للزرع شيء أم لا ؟ وهل وقع للزرع حصة من الثمن في الصفقة أم لا ؟

قال : قد وقع للزرع حصة من الثمن ، فيقسم الثمن على قيمة الأرض وقيمة الزرع يوم اشتراه المشتري بين الرجاء والخوف ، ثم يوضع عن الشفيع ما أصاب الزرع من الثمن ويأخذ الأرض بما أصابها من الثمن . قلت : ولم كان هذا في الزرع هكذا ، وقد قلت في الطلع إنه إذا استحق الشفيع الشفعة في النخل وقد انتقل الطلع إلى حال الإثمار واليبس ، أنه يأخذ النخل بالشفعة ولا يوضع عن الشفيع للثمرة شيء ، ولا حصة للثمرة من الثمن يوم وقعت الصفقة ؟

قال : لأن الثمرة حبل ما كانت في رءوس النخل . ألا ترى أن النخل لو باعها بائع وفيها طلع لم يؤبر فاستثنى [ ص: 239 ] البائع الطلع لم يجز استثناؤه ، وإن باع أرضا وفيها زرع لم يبد صلاحه كان الزرع للبائع إلا أن يشترطه المشتري ؟ فهذا فرق ما بينهما . قلت : فإن النخل إذا أبرت فباعها ربها فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ، فقد صار للثمرة بعد الإبار حصة من الثمن إذا جاء الشفيع فاستحق بالشفعة وقد انتقلت الثمرة إلى حال اليبس والإثمار ، فلم لا تجعل للثمرة حصة كما جعلت للزرع حصة من الثمن ، ولأن الأرض قد يبيعها صاحبها ويبقى الزرع لصاحبها ، فكذلك النخل إذا كانت الثمرة قد أبرت ، فإن صاحبها يبيعها وتكون الثمرة له ، فما فرق ما بين هذين ؟

قال : سمعت مالكا يقول في الشفيع إذا جاء ليأخذ بالشفعة وقد أبرت النخل : إنه يدفع إلى المشتري ما أنفق في السقي والعلاج ويأخذ الثمرة بالشفعة .

قال : ومما يبين لك أيضا فرق ما بينهما ، أن الثمرة نصفها للآخذ بالشفعة وأن الزرع ليس للآخذ بالشفعة منه قليل ولا كثير ; لأن الثمرة ولادة وليس الزرع بولادة ، فهذا الذي سمعت من مالك . وبلغني عنه قال : وأما إذا اشترى النخل وفيها ثمرة قد أبرت فاستثنى ثمرتها ، ثم جاء الشفيع ليأخذ بالشفعة وقد يبست الثمرة .

قال سحنون : يأخذ الثمرة ويعطي المشتري قيمة السقي والعلاج . إنما جعلته يأخذ الثمرة ; لأنه لم يقع لها حصة من الثمن ، ولو جعلت لها حصة من الثمن ، جعلت الشفيع يأخذ النخل بما وقع عليها من الثمن ، وجعلت للثمرة حصة من الثمن ، وكان بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها ، وإنما هو ملغي وتبع للنخل . ألا ترى لو أن رجلا اشترى عبدا له مال واشترط ماله ، ثم أصيب المال وأصاب بالعبد عيبا ، رده ولم يكن عليه للمال شيء ; لأنه ملغي وتبع ولم يقع عليه حصة من الثمن ، ولو وقع عليه حصة من الثمن لما رجع إذا رد العبد بالعيب بجميع الثمن ؟ فهذا أصح أقاويله .

قال : الشفيع لا يأخذ الثمرة ، ولكن يقسم الثمن على قيمة الثمرة وقيمة النخل ، فيوضع عن الشفيع ما أصاب الثمرة من الثمن . ويأخذ النخل بما أصابها من الثمن . وهذا والزرع سواء ليس بينهما فرق ، وإنما الذي قلت لك : الأول لا حصة له من الثمن إذا يبست الثمرة ، فإنما ذلك إذا اشترى النخل - وفيها طلع لم يؤبر أو لم يكن في النخل ثمرة - فهذا الذي إذا يبست الثمرة فأخذ الشفيع النخل بالشفعة ، فلا شيء له من الثمرة ولا يكون للثمرة حصة من الثمن ; لأن هذه الثمرة ههنا بمنزلة الحبل ، ألا ترى أنه لا يجوز لصاحب النخل أن يبيع النخل ويستثني ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية