صفحة جزء
قلت : أرأيت إن قال في وصيته : لفلان مائة دينار ، ولفلان خدمة عبدي هذا حياته ، ولفلان لرجل آخر أيضا رقبة العبد الذي أوصى بخدمته حياته ، والثلث لا يحمل وصية الميت ؟

قال مالك : يقال للورثة : أسلموا وصية الميت وأجيزوها ، فإن أبوا قيل لهم : ابرءوا من ثلث الميت ، فيتحاصون في الثلث الموصى له بالمائة والموصى له بالخدمة ، والموصى له بالرقبة ، ولا يضرب صاحب الخدمة وصاحب الرقبة إلا بقيمة العبد ، [ ص: 359 ] لا يضربان بأكثر من ذلك ، لأن وصيتهما واحدة ، وإنما هي رقبة العبد . فينظر ما صار للموصى له بالخدمة وللموصى له برقبة العبد في الثلث ، إذا حاصا صاحب المائة أخذا ذلك في العبد ، فيخدم الموصى له بالخدمة يبدأ على صاحب الرقبة ، فإذا مات صاحب الخدمة الموصى له بها صار العبد لصاحب الرقبة ، ويكون صاحب المائة شريكا للورثة بمبلغ وصيته من الثلث في جميع مال الميت وفيما بقي من العبد في أيدي الورثة مما لم يحمله الثلث .

قلت : ولا تشبه هذه المسألة التي قبلها ، التي قال فيها الميت : يخدم عبدي فلانا حياته ثم هو حر ولفلان مائة دينار ؟

قال : نعم ، لا تشبهها وهما يختلفان ، لأن الموصى له بعتقه بعد الخدمة ليس ههنا مال ، إنما أوصى الميت بخدمة وبمائة دينار . فإنما يعمر الموصى له بالخدمة فيشرع مع الموصى له بالمائة في الثلث بمبلغ قيمة الخدمة التي أوصي له بها ، وهذا الذي أوصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر وبمائة دينار ، فقد أوصى الميت ههنا برقبة العبد وبخدمته ، فرقبة العبد ههنا في هذه المسألة وقيمة الخدمة إنما هي وصية واحدة ، لا يضرب صاحب الخدمة وصاحب الرقبة مع أهل الوصايا إلا بقيمة العبد ، فما خرج لهما من العبد في المحاصة من الثلث بدأ به الموصى له بالخدمة ، فإذا انقضت الخدمة رجع ما كان من العبد في الخدمة إلى الموصى له بالرقبة ، ولا يعمر المخدم في هذه المسألة ويعمر في المسألة الأولى التي فيها العتق .

قلت : وفي مسألة العتق إذا أوصى بعتقه وبخدمته ما عاش لفلان ، وبمائة دينار لفلان ، لم لم يبدأ مالك العتق على المائة ، وعلى الخدمة والعتق مبدأ على الوصايا في قول مالك ؟

قال : لأن العتق ههنا لم يسقط ، ولا يعتق العبد ههنا إلا إلى الأجل الذي جعل عتقه إليه - وهو قبل الأجل عليه الخدمة - فيتحاص صاحب المائة والموصى له بالخدمة في تلك الخدمة ، فتكون خدمة العتق بين الموصى له بالخدمة وبين الموصى له بالمائة الدينار إذا كان العبد هو الثلث ، فإذا انقضت الخدمة خرج العبد حرا ، وليس للعبد حجة في العتق قبل محل الأجل ; لأن عتقه إنما هو إلى أجل ، فإن كان الثلث لا يحمل جميع العبد وأبت الورثة أن يجيزوا وصية الميت ، عتق من العبد مبلغ الثلث بتلا وسقطت الوصايا - بالخدمة وغير الخدمة - لأن الوصايا حالت ورجعت إلى المحاصة ، فكان العتق حينئذ مبدأ على ما سواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية