صفحة جزء
قلت : أرأيت شهادة السماع ، هل يجيزها مالك ؟

قال : سئل مالك عن رجل سمع رجلا يقذف رجلا والمقذوف غائب أترى أن يشهد له ؟

قال : نعم يشهد له إذا كان معه غيره .

قلت : ليس هذه الشهادة على السماع إنما الشهادة على السماع الشهادة على الشهادة يمر الرجل بالرجل فيسمعه يقول : أشهد أن لفلان على فلان مائة درهم ولم يشهده ، ثم يحتاج إلى شهادة هذا المار الذي سمع ما سمع ولم يكونوا استشهدوه . قال : لا أرى أن يشهد إلا أن يكون أشهده الرجل .

قلت : أتحفظه عن مالك ؟

قال : سمعت مالكا ، وسئل عن الرجلين يتنازعان في الأمر فيقر بعضهما البعض بالشيء ، فيمر بهما الرجل فيسمعهما يتكلمان في ذلك ولم يحضراه للشهادة ولم يشهداه ، أترى له أن يشهد عليهما ؟

قال : قال مالك : لا يشهد عليهما . قال : فقيل لمالك : فالرجلان يحضرهما الرجلان في الأمر بينهما ويقولان لهما : لا تشهدا علينا بأشياء فإنا نتقار بأشياء ، فيتكلمان فيما بينهما ويقران بأشياء ثم يفترقان ، ثم يجحد كل واحد منهما صاحبه أو أحدهما فيريدان أن يشهدا فيما بينهما ، أترى لهما أن يشهدا ؟

قال : أرى أن لا يعجلا وأن يكلماهما ، فإن أصرا على ذلك وجحدا رأيت أن يشهدا عليهما قال : فقلت لمالك : فالرجل يسمع الرجل يقذف الرجل ، أترى أن يشهد له ؟ قال : نعم إذا كان معه غيره . فهذا ما قال لنا مالك في هذا .

ومما يدلك على أن مالكا لا يرى شهادة السماع التي وصفت لك إذا لم يشهداه ، أن مالكا قال في الذي مر فسمع رجلا ينازع رجلا ، ويقر بعضهما بشيء لبعض ولم يحضراه لذلك ولم يشهداه أنه أمره أن لا يشهد ، فكذلك إذا سمع رجلا يشهد على رجل فهو سواء .

قال ابن القاسم : وأنا أرى أن رجلا استقصى في مثل هذا سماع ما يتقار به الرجلان بينهما أو يتذاكرانه من أمرهما ، فشهد ذلك من أمرهما واستقصاه وإن لم يشهداه ، فأرى أن يشهد بذلك إذا كان مثل ما وصفت لك . وإنما الذي كره من ذلك ولم يجز ما مر به الرجل من كلام الرجل فسمعه ولا يدري ما كان قبله ولا ما يكون بعده ، وإنما بعض ذلك كله من بعض ، فهذا الذي [ ص: 512 ] كره ، فلا ينبغي له أن يشهد في مثل هذا ، ولا ينبغي للقاضي أن يجيز شهادة مثل هذا إذا شهد بها عنده .

قال : ولقد سئل مالك عن رجل شهد بين رجلين في حق ، فنسي بعض الشهادة وذكر بعضها ، أترى أن يشهد ؟ قال مالك : لا ، إن لم يذكرها كلها فلا يشهد ، فهذا مما يدلك على أن المار الذي يسمع ولم يشهداه ولا يشهد ، لأن الرجل قد يتكلم بالشيء ويكون الكلام قبله أو بعده مما لا تقوم الشهادة إلا به ، أو تسقط الشهادة عن المشهود عليه به . فإن أفرد هذا الكلام وحده كانت شهادة ، فهذا يدلك على أنه يجوز إلا أن يشهد على ذلك أو يحضر لذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية