صفحة جزء
في جناية الموصى بعتقه يجني قبل موت سيده قلت : أرأيت لو أن رجلا أوصى بعتق عبده فجنى قبل أن يموت السيد ، أتنتقض الوصية فيه أم لا في قول مالك ؟

قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا ، ولكن يخير السيد ، فإن دفعه بطلت الوصية ، وإن فداه كانت الوصية كما هي . وقال مالك : هو عبد بعد ، فله تغيير وصيته ويبيعه ويصنع به ما شاء . فلما قال مالك ذلك ، علمنا أنه يجوز له أن يسلمه ، فإن لم يسلمه وفداه فالوصية له ثابتة ، لأن الوصية تقع بعد الموت إذا لم يغيرها قبل موته ، وكذلك بلغني عمن أثق به من بعض أهل العلم .

قلت : أرأيت إن أوصى فقال : إذا مت فهو حر . فجنى العبد قبل أن يقوم في الثلث ، والثلث يحمله ؟

قال : يعتق وتكون الجناية دينا عليه يتبع بها .

قلت : وهذا قول مالك ؟

قال : هو مثل ما قال مالك في [ ص: 586 ] المدبر ، لأنه عند مالك عبد ما لم يقوم إن كان الثلث يحمله ، إلا أن تكون أمواله مأمونة من دور أو أرضين بحال ما وصفت لك ، فيكون ذلك على العاقلة . وذلك أن مالكا قال : حدوده وحرمته وقذفه بمنزلة العبد حتى يقوم في الثلث ويخرج من الثلث ، لأن مالكا قال : لو أصيب بشيء قبل أن يقوم في الثلث حتى ينقص ذلك من عتقه . نقص من عتقه ورق منه بقدر ما يرق ، فذلك يدلك على أنه عبد ، وأن العاقلة لا تحمل عن عبد ، وأن ما جنى بمنزلة ما جنى عليه . وإنما قال لنا مالك هذا في المدبر ، فإذا أوصى بعتقه بعد موته ثم مات فجنى بعد الموت فسبيله سبيل المدبر سواء ، لأنه قد ثبت له ما ثبت للمدبر ، وكذلك بلغني عمن أثق به .

قال سحنون : وقد أعلمتك باختلافهم في المال المأمون . قال سحنون : من أصحابنا من يقول : وإن كان المال مأمونا فهو على حاله حتى يقوم .

قلت : أرأيت إن أوصى بعتقه ، ثم جنى العبد جناية فلم يقم عليه ولي الجناية حتى مات السيد والثلث يحمله ، أو لم يدع مالا سواه . أترى للورثة ما كان لأبيهم من الخيار في أن يسلم العبد أو يفتكه ، أم ترى الحرية قد جرت فيه لما مات السيد ، وتجعل سبيله سبيل من جنى بعد الموت ؟

قال : المجروح أولى به وهو في رقبته ، فإن أسلم كان عبدا للمجروح ، وإن افتكوه رجع العبد في الوصية إلى مال سيده فأعتق في ثلثه ، بمنزلة ما لو افتكه سيده قبل أن يموت وتكون الورثة فيه بعد الموت بمنزلة السيد قبل أن يموت ، لأن الجرح كان في رقبته قبل أن يموت سيده .

قلت : أرأيت إن أعتقه بتلا في المرض ولا مال له ، فجنى العبد جناية ، ثم أفاد أموالا مأمونة في مرضه كثيرة ؟ قال : يعتق العبد حين أفادها وتكون الجريرة في ذمته يتبع بها ولا تحملها العاقلة ، لأنه يوم جنى كان ممن لا تحمل العاقلة جريرته .

قلت : أسمعت هذا من مالك ؟

قال : الذي سمعت من مالك في هذا قد أخبرتك به في المسائل الأولى ; لأن مالكا قال لنا : إذا كانت له أموال مأمونة - ما قد أخبرتك به ، فهو إذا أفادها في مرضه - صنعت به حين أفادها في العتق مثل ما كنت أصنع به إذا أعتقه ، وله أموال مأمونة .

التالي السابق


الخدمات العلمية