صفحة جزء
في رجل أعتق عبدا له في مرضه وبتل عتقه فجرح العبد قبل موت سيده قلت : أرأيت إن أعتق رجل عبده في مرضه فبتل عتقه فجرح العبد قبل موت سيده ؟

قال : عقله عقل عبد إلا أن تكون للسيد أموال مأمونة لا يخاف عليها ، مثل الأرضين والدور والنخل ، فتكون جراحه جراح حر لأن حرمته قد تمت ههنا ، وهذا قول مالك : إنه لا يكون حرا ، ولا تكون حرمته حرمة حر حتى تكون هذه الأموال مأمونة لا يخاف عليها وإن كانت كثيرة . قال : والذي قال لنا مالك في المال المأمون : إنه الأرضون [ ص: 587 ] والنخل والدور .

قلت : أرأيت لو أني أعتقت عبدا لي في مرضي بتلا ، ثم جنى جناية وبرئت من مرضي ذلك أو مت ؟ قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك به في المسائل الأول . فإذا كان العبد ممن يوقف إذا كان السيد ممن ليست له أموال مأمونة من الدور والأرضين بحال ما وصفت لك ، إن من قتل هذا المعتق في المرض ، فإنما عليه قيمة عبد ، وجراحه جراحات عبد ، وحدوده حدود عبد ، فإذا كان بهذه الحالة ، فإن العاقلة لا تحمل ما جنى من جنايته ، لأن جنايته جناية عبد ، لأنه لا تحمل له جريرة حتى يحمل هو مع العاقلة ما لزم العاقلة من الجرائر ، فقس على هذا ما يرد عليك من هذه الوجوه .

قلت : أرأيت إذا أعتقه السيد في مرضه بتلا فجر جريرة ، ثم مات السيد ولا مال له غيره ؟

قال : يعتق ثلثه ويرق ثلثاه ، ويكون ثلث الجناية على الثلث العتيق ، ويقال للورثة : ادفعوا الثلثين أو افتكوه بثلثي الجناية لأن سبيله ههنا سبيل المدبر .

قال مالك : والمدبر في مثل ما وصفت لك في هذا سواء .

قلت : فلو أن رجلا أعتق عبده في مرضه بتلا ولا مال للسيد غيره ، فجنى العبد جناية بعد ما أعتقه قبل أن يموت سيده ؟

قال : يوقف العبد حتى ينظر إلى ما يصير إليه السيد ، فإن برأ السيد من مرضه وصح كانت الجناية في ذمة العبد ، ويخرج العبد حرا بجميعه ، وإن مات السيد من مرضه رق ثلثاه وعتق ثلثه وكانت حاله في الجناية مثل ما وصفت لك في المدبر .

قلت : فهل يقال للسيد : إذا أوقفت العبد في العتق المبتل : أسلمه أو افتده ؟

قال : لا . قلت : لم ؟

قال : لأنه ليس له فيه خدمة ولا رق ، وإنما قيل له في المدبر أسلمه أو افده للخدمة التي له فيه ; لأن له في المدبر الخدمة إلى الموت .

قال سحنون : وقال غيره من كبار أصحابنا مثل ما قال : إنه موقوف ، لأنه ليس للسيد فيه خدمة فيسلمها . فكل قول تجده له أو لغيره على خلاف هذا فأصله على هذا ، فإن هذا أصل قولهم وأحسنه . وقد كان عبد الرحمن ربما قال غير هذا ثم قال هذا وتبين له وثبت عليه .

قلت لابن القاسم : أهذه المسائل التي سألتك عنها في العتق ، البتل في المرض ، أسمعتها من مالك ؟

قال : لا ، وهذا رأيي .

قلت : أرأيت إن أعتقت عبدي في مرضي بتلا ولا مال لي سواه ، وللعبد مال كثير ، أيؤخذ مال العبد أم يوقف ماله معه ؟ قال : يوقف ماله معه .

قلت : فإن أوقف معه ماله فجنى جناية ما حال ماله ؟

قال : يوقف ماله معه ولا يدفع إلى أولياء الجناية .

قلت : ولم أوقفت ماله معه ؟

قال : لأنه إن مات السيد ، ولا مال له غيره عتق ثلثه وكان عليه ثلث الجناية ورق ثلثاه ، فإن اختارت الورثة أن يفتكوا الثلثين بثلثي الدية لم يكن لهم في مال العبد شيء ، وكان المال موقوفا مع العبد ليس للورثة أن يأخذوه أيضا ، لأنهم إن أسلموا الثلثين إلى أهل الجناية لم يكن لأهل الجناية أن يأخذوا من ماله شيئا ، وكان المال موقوفا معه ، لأن من دخله شيء من العتق وقف ماله معه ، ولم [ ص: 588 ] يكن لساداته الذين لهم بقية الرق فيه أن يأخذوا المال منه ولا شيئا من المال في قول مالك .

قال سحنون : وهذه المسألة أصل مذهبهم فلا تعدوها إلى غيرها .

قلت : لم أوقف مالك جميع مال العبد معه إذا أعتق منه شقصا ؟ لأنه شريك في نفسه ، فكل عبد بين اثنين فليس لأحدهما أن يأخذ من مال العبد بقدر نصيبه إلا أن يرضيا جميعا فيأخذا المال

التالي السابق


الخدمات العلمية