صفحة جزء
في الأبوين يكاتبان فيولد لهما ولد فاكتسب الولد مالا وجنى عليه جناية

قلت : أرأيت إن كاتب الرجل عبده وأمته - وهما زوجان - كتابة واحدة فحدث بينهما ولد ، فاكتسب الولد مالا وجني على الولد جنايات ؟ قال : أما الجنايات فذلك للسيد - عند مالك - يحسب لهم ذلك في آخر كتابتهم ، إلا أن يكون في الجناية وفاء كتابته ، فيكون ذلك للسيد ويعتق هؤلاء كلهم مكانهم . فإن كان في الجناية فضل فهو للابن ولا يرجع الولد على الأبوين بما أخذ السيد من جنايته في كتابة الأبوين ; لأن ذوي الأرحام لا يرجع بعضهم على بعض بما أدوا . وأما الذي اكتسب الابن فهو للابن وليس للأبوين أن يأخذا منه ماله ، عليه أن يسعى معهم ويؤدي الكتابة على قدر قوته وأداء مثله ، فإذا كان للابن مال وخاف الأبوان العجز كان لهما أن يؤديا الكتابة من مال الولد . وكذلك إن كان للأبوين مال فقالا : لا نؤدي ، وخاف الولد العجز ، فإن الكتابة تؤدى من مال الأبوين ولا [ ص: 619 ] يرجع بعضهم على بعض بشيء مما أدى عن أصحابه ; لأن مالكا قال : ليس له أن يعجز نفسه إذا كان له مال ظاهر ، فالأبوان إذا كان لهما مال ظاهر فليس لهما أن يعجزا أنفسهما وكذلك الولد .

قلت : فإن عدا السيد على الولد فقتله وفي قيمته فضل عن كتابة هؤلاء ؟ قال : يعتق الأبوان ولا يكون عليهما من الكتابة شيء ; لأن قيمة الولد تكون قصاصا بالكتابة ويرجع الأبوان المكاتبان على السيد بالفضل فيكون لهما . قال : وهذا قول مالك ; لأن مالكا قال فيمن قتل ولد المكاتب أو المكاتب نفسه ، فإن السيد يأخذ من ذلك كتابته . فإن كان فضل كان لأبويه اللذين معه في الكتابة ، فإن كان قتل الأبوين ، فإن السيد يأخذ من ذلك كتابته ، وما بقي عن كتابتهم فللولد . وكذلك السيد إذا قتلهم فهو بمنزلة غيره من الناس إذا قتلهم ، وقيمتهم قد صارت هاهنا بمنزلة أموالهم . وقد سمعت مالكا يقول في مكاتب جرحه سيده : إن جرحه على سيده يحسبه من آخر كتابته .

وقد قال مالك في ابن المكاتب إذا قتل : إن عقله للسيد ، إن كان فيه وفاء بجميع كتابتهم ويعتقون ، وإن كانت الجناية ليس فيها وفاء بجميع كتابتهم أخذه السيد وحسب ذلك لهم في آخر كتابتهم ، والجناية على المكاتب إذا لم يكن فيها وفاء بجميع كتابتهم ، أخذ ذلك السيد وحسب ذلك لهم في آخر كتابتهم ، فإن كان فيها وفاء أخذه أيضا وحسب لهم أيضا ذلك في آخر كتابتهم . والمال إذا مات أحدهم أخذه السيد إن كان فيه وفاء بكتابتهم ، وإن لم يكن فيه وفاء بكتابتهم ترك في أيديهم إن كانوا مأمونين . وهذا في الولد - في قول مالك - وإن كانوا غير ولد ، فهذا المال في الموت بمنزلة الجناية يأخذ السيد ما قل منه أو كثر ويحسب ذلك لهم من آخر كتابتهم ، فإذا عتقوا أتبعهم السيد بما يصير له عليهم مما حسب لهم من مال الميت إلا أن يكونوا إخوة فلا يتبعهم .

قال سحنون : وقد كان ربيعة يقول : ذكره يونس عنه إذا كاتب على نفسه وولده وأم ولده ثم توفي ، وكان فيمن كاتب قوة على الاستسعاء - سعوا وسعى الكبير على الصغير - وذلك لأنهم دخلوا معه في الكتابة فليس لهم أن يعجزوا حتى لا يرجى عندهم سعي . وإن مات أبوهم وترك مالا ليس فيه وفاء فقد كانت لهم معونة ماله ، وليس لهم أصله إن قتلوا أو أجرموا جريمة ، فالمال يدفع إلى سيده فيقاصون به من آخر كتابتهم ولا يدفع إليهم ; لأنهم ليس أصله لهم وهو لا يؤمن عليه التلف إذا كان بأيديهم ، وإن صغارا لا يقوون فهم أرقاء ولسيدهم ذلك المال . ابن وهب : وكان مالك يقول : إذا كانوا صغارا لا يستطيعون السعي لم ينتظر بهم أن يكبروا وكانوا رقيقا لسيدهم .

قال مالك : إلا أن يكون فيما ترك أبوهم ما يؤدي عنهم نجومهم إلى أن يبلغوا ويقووا على السعي فيفعل ذلك بهم .

قال مالك : وإن كان الولد صغارا وكانت معهم أم ولد لأبيهم فأرادت السعي ، فإنه يدفع إليها مال الميت إذا لم يكن فيه وفاء إذا كان يرى أنها مأمونة على ذلك قوية على [ ص: 620 ] السعي ; لأنهم إن أخذ المال منهم لم يقووا على السعي والأداء وعجزوا وصاروا عبيدا ، فهم بمنزلة أبيهم لهم ما له وعليهم ما عليه . وكذلك إذا كان ولده يحتملون السعي وليس معهم أم ولد ; أعطوا المال يقوون به على السعي ، وإن لم تكن مأمونة ولا قوية على ذلك رجعت هي وولد المكاتب رقيقا للسيد إلا أن يكون فيما ترك المكاتب أو في ثمن أم الولد إذا بيعت ما يؤدي عنهم ، فإنها تباع ويعتقون ، ويكون فيما ترك وفي ثمنها إذا بيعت ما يؤدي عنهم إلى أن يبلغوا السعي . ابن لهيعة عن بكير أنه سمع سليمان بن يسار يقول : إذا كاتب الرجل على نفسه وبنيه فمات وعليه كتابة ، فإن آنس منهم رشدا دفع إلى بنيه ماله واستسعوا فيما بقي ، وإن لم يؤنس منهم رشد لم يدفع إليهم مال أبيهم .

مخرمة بن بكير عن أبيه قال : سمعت عروة بن الزبير واستفتي في مكاتب توفي وعليه فضل من كتابته وترك مالا وترك بنين له أيأخذون ماله إن شاءوا يقضون كتابته ويكونون على نجومه ؟ قال : نعم إن استقلوا بذلك ، فإن ذلك لهم إن شاءوا .

وقال ذلك سليمان بن يسار : إن كانوا صالحين دفع إليهم وإن كانوا أناس سوء لم يدفع إليهم . ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم وسالما عن مثل ذلك فقالا : إن ترك مالا قضوا عنه وهم أحرار ، وإن لم يترك مالا وقد آنس منهم الرشد سعوا في كتابة أبيهم ، بلغوا من ذلك ما بلغوا . وإن كانوا صغارا لم يستأن بالذي للرجل كبرهم يخشى أن يموتوا قبل ذلك فهم له عبيد .

قال يونس : وقال أبو الزناد : إن كان ولده كلهم صغارا لا قوة لهم على الكتابة ولم يترك أبوهم مالا ، فإنهم يرقون ، وإن ترك أبوهم مالا ليس فيه وفاء أدوا نجومهم عاما بعام . ابن وهب : وقال مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا ، أن المكاتب إذا أصيب بجرح له فيه عقل ، أو أحد من ولده الذين معه في كتابته ، فإن عقلهم عقل العبيد في قيمتهم . وإن ما وجب لهم في عقلهم يدفع إلى سيدهم الذي له الكتابة ، ويحسب للمكاتب في آخر كتابته ويوضع عنه ما أخذه سيده من دية جرحه . ولا ينبغي أن يدفع إلى المكاتب شيء من دية جرحه فيأكله أو يستهلكه ، فإن عجز رجع إلى سيده أعور ومقطوع اليد أو مغصوب الجسد ، وإنما كاتبه على كسبه وماله ولم يكاتبه على أن يأخذ ثمن ولده ولا ما أصيب من جسده فيستهلكه . يونس عن ربيعة أنه قال في المكاتب له عقل جراح : إن أصابته فإن جرح المكاتب فالعقل فيه يأخذه سيده ، فإذا بقي على المكاتب من آخر كتابته مثل ذلك العقل قاص به سيده وعتق ، وإن عجز كان ذلك المال لسيده ; وذلك لأن جرح العبد ليس من ماله إنما هو لسيده .

وقال ابن شهاب وربيعة : إن أصيب المكاتب بجرح له عقل فعقل ذلك الجرح لسيده يقبضه ويقاصه به من آخر كتابته . قال أنس بن عياض : وقال ابن أبي سلمة مثل قول مالك وكلها لابن وهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية